المنيه (في تحقيق حكم الشارب و اللحيه)

اشارة

سرشناسه : طبسي نجفي، محمدرضا، 1282-1363.

عنوان و نام پديدآور : المنيه (في تحقيق حكم الشارب و اللحيه)/من مصنفات محمدرضا الطبسي.

مشخصات نشر : نجف: مطبعه العلميه، 1362.

مشخصات ظاهري : 84 ص.

وضعيت فهرست نويسي : فهرست نويسي توصيفي

يادداشت : چاپ سوم.

يادداشت : كتاب حاضر با حمايت جماعتي از حجاج بيت الله الحرام و زوار قبور ائمه انام از اهل كرمانشاهان به اهتمام حسين باري و محمدحسين ممدوحي بطبع رسيده است.

شناسه افزوده : لاري، حسين

شناسه افزوده : ممدوحي، محمدحسين

شماره كتابشناسي ملي : 1549372

[مقدمة عماد الدين الطبسي]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* ربما يكون موضوع (حلق اللحية) من جملة بعض المواضيع الاسلامية؛ التى قد تعتبر ثانوية .. فلذلك نجده يعانى تساهلا مقيتا و عجيبا من البعض!!.

لسنا هنا- الان- بصدد مكانة هذا الموضوع .. فذلك مهمة الكتاب .. الذى بين يديك.

و لكن الذى يجب ان يقال هنا، هو: انه لا اختلاف في أن أى دين انما يفقد رصيده الاجتماعى عند ما يبدأ هناك تهاون في أجزاء الدين .. صغيرة كانت او كبيرة ..

فالمسألة اذن مسئلة تهاون .. و هى مسئلة ترتبط بمصير الدين ككل ..

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 4

هذا أمر لا نقاش فيه .. كما أنه لا اختلاف فيه ..

من هنا يكسب موضوع (حلق اللحية) أهمية جديدة خاصة في هذا العصر الذى تشهد فيه العقيدة الاسلامية بعض الاهتزاز في ضمير الأمة الاسلامية بعد أن شهدت الاحكام الاسلامية شيئا كثيرا من الاهمال و الترك قبل ذلك!.

صحيح اننا نواجه امة اسلامية .. و لكن هل اننا نعيش واقعا اسلاميا بالمعنى الصحيح الشامل؟.

كلا .. فالعقيدة مسافرة .. و الاحكام الاسلامية ترحل واحدة تلو الاخرى.

و السبب، كما نعلم كلنا هو التهاون في اجزاء العقيدة، او

في التكاليف الاسلامية .. بحجة ان هذا ليس بمهم ... و أن ذاك أمر صغير ..

و يدل على كسب موضوع هذا الكتاب أهمية بالغة أنه لم يواجه بالاستقبال الحسن فقط في أوساط القراء .. و انما اولا في الاوساط العلمية العليا- حيث (نال) موضوع الكتاب و اسلوب طرحه، و طريقة الاستدلال فيه، (تأييد) سماحة المرجع الدينى الأعلى فقيه عصره آية اللّه العظمى السيد

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 5

ابو الحسن الاصفهانى (قدس اللّه روحه).

و كان تقريظ سماحته من أفضل الأدلة على ما ينطوى عليه، هذا الموضوع البسيط- في نظر البعض، من أهمية ذاتية بين الاحكام الاسلامية، و إليك نص التقريظ حرفيا، و الموجود صورته الفوتوغرافية في مطلع هذا الكتاب:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* «هذه الرسالة الشريفة، و الجوهرة اللطيفة؛ من رشحات قلم علم الاعلام، و صدر الفخام، و النحرير القمقام، الشيخ محمد رضا الطبسى دامت تأييداته، فهو دام فضله، قد أبدع في الغاية و أدى المرام الى النهاية، فلله دره، فقد أتعب نفسه الشريفة و أتى بما لا مثيل له (!) اسأل اللّه تعالى تأييده و تسديده».

و لكن الامام السيد «ره» لم يقتصر على هذا التقريظ، و انما نجده يرجع المؤمنين الى مطالعة هذا الكتاب لتبين موضع الحقيقة في هذا المجال، حيث اجاب في (المسائل الطهرانية) بالعبارة التالية، و عند ما سئل عن: حلق اللحية:

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 6

«... راجعوا كتاب المنية» غير أن هذه الاشارة لم ترد من السيد- ره- فقط؛ و انما جاءت من مراجع معاصرين آخرين ... و الدليل نذكر ما أفاده سماحة آية اللّه العظمى السيد الاصطهباناتى ... حيث أجاب على استفتاء ورد

عليه بهذا الخصوص .. بقوله:

«نعم هو حرام .. (اى حلق اللحية) و التفصيل يراجع رسالة (المنية) الشريفة من التأليفات النافعة، الشائعة؛ لحجة الإسلام و المسلمين الشيخ محمد رضا الطبسى دام ظله، فانه احسن كتاب في تحقيق المسألة .. وضعا، و تكليفا».

كما و أن الكتاب لقى استحسانا من حيث الموضوع من قبل الاوساط الادبية .. و كان من جملة من قرظ هذا الكتاب هو العلامة الاديب الشيخ محمد الخليلى .. حيث قال ناظما:

أعظم بسفر قد احتوى حكما في الشرع جلت منية الاسس براعة الفكر و النبوغ به قد نمقتها يراعة الطبسى مشكاة نور غدى لقارئه يسعد من فاز منه بالقبس به أخو الدين نال منيته و خاب ذو غفلة و ذو شرس أوضح فيه حكم اللحى فغدى الأمر لذى الجهل غير ملتبس

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 7

اثبت تحريم حلقها أبدا شرعا و لم يختلق و لم يقس قد فاز رواده و ظل هوى من حاد عن ذكر ربه و نسي

و كان العلامة الفقيه السيد صادق الهندى هو الاخر الذى قرظ الكتاب ناظما بقوله:

نال الرضا فيما افاد الرضا و حقق الآمال في (المنية) فصل في فصولها كلما يختص بالشارب و اللحية فسعيه المشكور فيه لنا أقصى المنى و منتهى البغية حمى حما اللحية في الشارب الذى به تكملة اللحية أحكم بالتحقيق أحكامها من دون ما ريب و لا مرية و لم يدع للشك من مسرح فيها فما خالفها فدية فزتم بنى العلم فتاريخها (بمنية فيها لكم غنية)

1385 ه

و بطبيعة الحال لم يكن كل هذا الاهتمام إلا لمكانة ذات الموضوع. و يدل على ذلك الاستقبال المنقطع النظير الذى واجهه الكتاب

من قبل الناس .. ليس في منطقة واحدة؛ و انما في مناطق عديدة.

و يشهد بذلك تعدد الطبعات، و اختلاف المناطق التى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 8

و إليك فيما يلى جدولا بعدد الطبعات و عام و محل الطبع:

الطبعة الاولى بالفارسية سنة 1358 المطبعة العلمية النجف الطبعة الثالثة بالعربية سنة 1361 المطبعة العلمية النجف الطبعة الثانية بالفارسية سنة 1359 الغرى الطبعة الرابعة بالفارسية سنة 1362 في ايران الطبعة الخامسة بالفارسية سنة 1364 في ايران الطبعة السادسة بالعربية سنة 1365 في النجف الطبعة السابعة بالعربية سنة 1373 في النجف الطبعة الثامنة بالعربية سنة 1375 في النجف الطبعة التاسعة بالعربية سنة 1379 في النجف الطبعة العاشرة بالعربية سنة 1383 في النجف الطبعة الحادية عشرة بالاردية 1387 في الهند الطبعة الثانية عشرة بالعربية 1388 في النجف الطبعة الثالثة عشرة بالفارسية 1394 في ايران الطبعة الرابعة عشرة و هى التى بين يديك.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 9

المنهجية نجد من المناسب ان نعرض هنا جدولا سريعا لمراحل البحث في هذا الكتاب الشيق.

يقع الكتاب في خمسة مراحل:

المرحلة الاولى: و تحتوى على مقدمة مفصلة تتعرض لذكر قضايا لها علاقة شديدة بالتشريع.

المرحلة الثانية: و تحتوى على استدلال شامل بالآيات الواردة في هذا المجال.

المرحلة الثالثة: و تحتوى على عرض لأراء و فتاوى العلماء من كافة الفرق الاسلامية.

المرحلة الرابعة: و تحتوى على عرض آثار الموضوع من وجهة النظر الدينية.

المرحلة الخامسة: و تحتوى على الاحكام الشرعية في هذه المسألة.

المرحلة السادسة: و تحتوى على عرض و اف للمسئلة من وجهة نظر (العلم الحديث) بما فيه علم النفس، و الطب.

هذا هو بعض التعريف عن هذا الكتاب و عن موضوعه

المنية في

حكم الشارب و اللحية، المقدمة، ص: 10

و هو تعريف قصد به لمجرد تنوير القارئ ليس اكثر .. و أما عرض الموضوع من جوانبها المختلفة و الوقوف الشامل الكامل على ابعاد المسألة فهو من مهمة الكتاب.

و ختاما أرى من اللازم أن اقدم بالغ شكرى و اعتذارى الى العلامة الشيخ هادى اليوسفى الغروى و العلامة الشيخ جعفر الهادى الحائرى لما قد ساعدونا في تقديم الكتاب الى الطبع هذا و اسئل اللّه ان يوفقهم و يحقق آمالهم و يأخذ بأيديهم الى ما فيه الخير و الصلاح و اللّه ولى التوفيق.

عماد الدين الطبسى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 1

[المدخل]

كتاب المنية في تحقيق حكم الشارب و اللحية بقلم أقل خدمة العلم و الدين الامامى في النجف الاشرف محمّد رضا الطبسى النجفى عفى عنه نقلها الى العربية العلامة السيد مير محمد الكاظمي القزويني نزيل البصرة شارك بطبعه بعض اهل الخير الطبعة الرابعة عشرة 1394 هجرى

طبعت في مطبعة العلمية بقم

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 2

مطبعة الآداب في النجف الاشرف

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 3

[مقدمة المترجم]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة على محمد و آله الطيبين. و بعد فقد اتيح لي الوقوف على رسالة فارسية في تحقيق حكم الشارب و اللحية من تأليف العلامة الكبير الشيخ محمد رضا الطبسى دامت افاضاته-

أما الشيخ: فله من لسان الصدق و رفيع الذكر ما

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 4

لا يحتاج معه الى الوصف، و أما الرسالة: فمع ايجازها قد جمعت ما لم يجمعه مطول في طوله، و حوت من الحجج البالغة و البراهين للدامغة ما لم يحوه مفصل على تفصيله. دعاه الى تأليفها: حمية جاشت بنفسه حينما سأله بعض المؤمنين من سكان البلاد الايرانية عن هذه المسألة المتداولة بين الناس (أعني: حلق اللحية) و ان الحكم التكليفى فيها: هو الحرمة، أم الجواز؟ فاجابه الشيخ دام ظله برسالة اجاد فيها و اصاب، و اوضح بباهر حججه طريق الصواب. قد بين فيها مدارك فتاوى الأصحاب قديما و حديثا، سيما رأى الاستاذ (استاذ) الفقهاء و المجتهدين الذي انتهت اليه الرئاسة العامة على عامة ديار المسلمين بانحاء العالم أجمع في القرن الثالث عشر، أعني بذلك: سيدنا الأعلم السيد أبو الحسن الموسوي الاصبهاني قدس اللّه سره

و قد طلب مني بعض الافاضل من السادة ان انقلها من لغتها الى العربية، فأجبته الى ذلك بالرغم من قصر باعي

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 5

و قلة اطلاعي على اللغة الفارسية، و رجوت به تعميم الفائدة و تكميل العائدة- مستمدا من اللّه الهداية لي و لجميع اخواني المسلمين.

المترجم

الرسالة مرتبة على مقدمات و امور و خاتمة

[أما المقدمات]

المقدمة الاولى

من الضروريات الأولية عند كل ذي دين من أي عنصر كان و من أي طبقة يكون: أن للأديان السماوية و الشرائع الإلهية قوانين و احكاما محدودة بحدود، لا يتعداها صاحب العقل، و لا يتجاوزها صاحب الايمان، قد بنيت

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 6

على أساس متين من الحكمة، لا يزعزع اركانها شي ء و لا يؤثر عليها مؤثر مهما كان.

و قد قسم الدين تعاليمه اقساما:

1- الاعتراف بالتوحيد و المعاد و الاقرار بجميع الأنبياء و المرسلين.

2- الأفعال للبشرية المتعلقة بامور الدنيا و الاخرى و صرائح العقول حاكمة بوجوب الفحص عن تلك القوانين و لزوم الخروج عن عهدتها لما انطرت عليها من المحاسن و الفوائد ما لا يطيق بشر احصائها و العقل ادراكها، و أهم ذلك أن لا يرفع الانسان كلتا رجليه و ينسى سعادته الحقيقية فيعيش ذئبا ضاريا- فاذا كان و لا بد من الفحص عن تلك التكاليف الملائمة للفطرة، و المكملة للأخلاق، و المهذبة للنفوس، و المحسنة لحالة المجتمع البشري، فالعقل لا يرى عذرا لتاركيها بالمرة، على ان دفع الضرر المحتمل واجب عقلا- و العقل احدى الحجتين فان للّه على

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 7

الناس حجتين:

1- حجة ظاهرة: و هم الأنبياء و الأئمة عليهم السلام،

2- و حجة باطنة: و هو العقل. كما قال

الامام موسى بن جعفر عليه السلام- على ما جاء في رواية هشام المفصلة-: (يا هشام ان للّه حجتين حجة ظاهرة، و حجة باطنة: فاما الحجة الظاهرة: فالرسل و الانبياء، و اما الباطنة: فالعقول) انتهى. فاذا كانت العقول لا ترى عذرا لتاركيها، فما با لنا نرضى بالجهل و اغفال النظر فيما وجب علينا من تعاليم و أحكام.

المقدمة الثانية

علمنا من المقدمة الأولى بصفة الاجمال: أن لشارع الأديان قوانين و أحكاما، و بداهة العقول حاكمة بوجوب الفحص عنها و الا فليس هو في سعة من اهماله و تركه.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 8

و الناس في هذه التعاليم على أصناف: فمنهم من بذل الجهد في طلبها و المحافظة على كيانها كمحافظته على فؤاده و قام باداء وظائفه كما أمر به. و صنف شغفهم حب الهوى و طغت بهم شهوتهم، فتركوا تعلمها، و نبذوها نبذا، و رفضوها رفضا، في حين انهم عالمون بها ملتفتون اليها و لكن الهوى أعمى قلوبهم فجرى على السنتهم أن بتعلمها و الوصول اليها يتضاعف تكليفهم (فهم لا ينفلتون من غائلة أعمالهم بل يحترقون بنيران شهواتهم، حتى أصبحوا و هم على حد سائر أبناء جنسهم من الحيوانات همها علفها- كالأنعام بل هم أضل سبيلا- يرافقون الدنيا على عناء و يفارقونها الى شقاء، فخسروا هنالك سعادة الدارين و فارقوا هذه الدنيا على أتعس الأحوال).

و هناك صنف آخر يعلمون بها و هم ملتفتون اليها لكنهم قاصرون عن إدراكها، و هؤلاء على فرض وجودهم نادرون جدا- اذ المراد من القاصر من تعذر عليه تعلم

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 9

تلك التعاليم بنحو ما من الانحاء- اما لقلة إدراكه لقصور عقله فلا

يتلقنها ذهنه، أو لأنه في بلاد يصعب عليه تحصيلها بوجه ما من الوجوه (و لكن التحقيق): ان طرق التعليم و وسائل تنوير العقول بالمعارف الحقة في هذه الأزمنة من أيسر ما يكون، كما هو المشاهد بالعيون «1»، و لو تأملت مليا لرأيت أن الجاهل القاصر لا وجود له عند التحقيق (و انما الناس بين عامل بتلك الاحكام و بين جاهل مقصر قد نبذها و لم يكترث بها) و كأني بهم يرومون أن تمطر السماء عليهم هذه السعادة (السعادة الاخروية) فتغمر قاصيهم و دانيهم و هم جالسون على الدنايا و الادناس و منصرفون عما فيه سعادة الدارين الى نزعات ذوى الأهواء و التمادى في الشهوات البهيمية، فاوقعتهم في مهاوى الدمار و اسكنتهم دار البوار، و لا حجة لهم يومئذ و لا هم

______________________________

(1) في مثل المذياع و الراديو الذي يبلغ صوته في جميع الاقطار بالسنة مختلفة و لغات متشتتة و تتم به الحجة على الجميع.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 10

ينظرون. أجل يحدثنا (الشيخ) في أماليه باسناده عن مسعدة ابن زيد قال: سمعت جعفر بن محمد «ع» و قد سئل عن قول اللّه عز و جل: «فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ»:

اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟

فان قال نعم، قال اللّه: أ فلا عملت بما علمت؟ و ان قال كنت جاهلا قال: أ فلا تعلمت حتى تعمل؟ فتخصم تلك الحجة «1».

المقدمة الثالثة

اثبتت بداهة العقول كما في المقدمة الثانية ترتب العذاب و المؤاخذة على تاركي تعلم الواجبات و المحرمات، فيجب على الجاهل في الشبهات الحكمية ان يراجع العالم بها لرفع جهله، و هذا ضروري عند العقل يقر بوجوده

______________________________

(1) راجع البحار ج 1 في

باب العلم و العقل.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 11

و جبلى عند العقلاء يعترفون به، ألا تراهم يعترفون برجوع الجاهل في أي فن من الفنون الى العالم بذلك الفن؟

و من المؤكد أن قوله تعالى في آية (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ)* يرشد الى هذا المعنى الذي ذكرناه، و الذي نريد الوقوف عليه و بسط القول فيه هو خصوص الشبهات الحكمية التعبدية، الأمر الذي يكون موردا لكثرة الاستفهام عن احكامه، و من الواضح ان وظيفة الجاهل في مثل تلك الاحكام هو الرجوع الى العالم و قبول قوله فيها، فتتم الحجة به عليه، و ليس له أن يطالبه بدليله و مدركه، و على فرض مطالبته له بدليل حكم المسألة فلقصور الجاهل عن دركه و عدم احاطته بكيفية التدليل و الاستدلال يكون السؤال عن الدليل عبثا لا محل له. و من ثم كان اعتراض بعض الجاهلين ممن غرتهم الدنيا بزخارفها: (بانه في أي موضع من الذكر الحكيم ذكر اللّه تعالى حرمة حلق اللحية؟) أشبه باعتراض

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 12

البيطار على المنجم، و انتقاد الزراع على الفقيه، و هب ان العالم قد أبان له ان الآية الكذائية دالة على حرمته- و ان كان ذلك مما لا يصح للعالم مراعاته- فمن أين يفهم هذا العامي الجاهل ذلك؟ و لذا ترى ان كثيرا من الأحكام بنظر العامي ليست مذكورة في ظواهر الكتاب: كاختلاف الركعات في الصلوات الواجبة، و كيفية اخراج الزكاة، و كيفية أداء مناسك الحج، و نظرائها. مع ان جميع تلك الأحكام مقتنصة و مستفادة من الكتاب بضميمة التفسير و الأحاديث الواردة عن الأئمة «ع». و خلاصة القول ان

وظيفة العامي أن يتعلم تلك التعاليم من العلماء- تقليدا- و ليس له الخوض أو الاعتراض عليهم بالمرة. هذا اذا كانت التعاليم من الأحكام العملية، و اما العقائد: فانها لا تقوم إلا على براهين قاطعة تفيد العلم فتقليد الغير في عقيدة من عقائد الدين ما لم يفد له اليقين لا فائدة فيه.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 13

المقدمة الرابعة

علمنا من المقدمة الثالثة- ان طريق تعلم الفرائض و رفع الشكوك محصور في رجوع الجاهل الى العالم، و ليس من شك ان قوله طريق و حجة على العامي. و المراد من العامي من لم يبلغ رتبة استفراغ الوسع، و الاجتهاد «1» في استنباط الاحكام و معرفة الحلال و الحرام عن أدلتها، فيجب على هؤلاء في جميع اعمالهم و أفعالهم حتى في المباحات فضلا عن الواجبات و المحرمات و المستحبات و المكروهات أن يعملوا بقول المجتهد العادل إجماعا قولا واحدا. و يشهد لذلك قول الحجة صاحب العصر (ع) أرواحنا فداه:

(و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم و أنا حجة اللّه عليهم) و ملخصه أنه

______________________________

(1) و لو بنحو التجزي.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 14

يجب على العوام الرجوع في حكم القضايا و الحوادث الواقعة مما تحتاج اليه الأمة، الى حملة أحاديثهم، و نقلة أخبارهم (و هم المجتهدون من الفرقة الناجية) لأنهم منصوبون من قبله بالنيابة العامة و هم حجته على العوام، و هو عليه السلام حجة اللّه البالغة على الخلائق أجمع. فمجاري الأمور في زمن الغيبة الكبرى بيد العلماء الى زمان ظهوره عليه السلام فقول المجتهد العادل واجب الاتباع و لازم العمل، فاذا حكم فلا يجوز رده، لقوله

عليه السلام: (فاذا حكم بحكم فلم يقبل منه، فانما بحكم اللّه استخف، و علينا رد و الراد علينا كالراد على اللّه الخ ..) و من هنا نعلم ان في رد حكم المجتهد العادل و التخلف عن قبول قوله فعلا أو تركا ردا لحكم اللّه و تخلفا عن أوامره و نواهيه.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 15

المقدمة الخامسة

ان من البديهيات الأولية وجود تفاوت في طبقات الناس في العالم، و أشرف جميع الطبقات و أفضلها بعد الأنبياء و الرسل و الأئمة (ع) و من يحذو حذوهم- هم العلماء «1» لأنهم ورثة الأنبياء، و هم عمد الدين، و أمناء رسول رب العالمين، كما قال سيد الموحدين: (لكل شي ء عماد، و عماد هذا الدين: الفقه، و الفقهاء أمناء الرسل، و الفقهاء ورثة الأنبياء) و عن أمير المؤمنين (ع)، قيل له: من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى، و مصابيح الدجى؟ قال:

العلماء إذا صلحوا، و قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار في حق هذه الطبقة (و هم اولئك الأفذاذ الذين يختص عملهم بتعليم ساير الأمة، و تحليهم بالعلوم الصافية

______________________________

(1) من الفرقة الناجية الاثنى عشرية.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 16

المأخوذة من منابع الحكمة عليهم السلام، و يبينون لهم طرق السعادة، و يسلكون بهم في أجوائها، و يتولون تهذيبها باطاعة اللّه، و يحذرونهم معصيته، و يوضحون لهم مضارها و سوء منقلبها، و يحافظون على عقائدهم الحقة، و يرفعون ما يختلج في أذهانهم من الشك و الشبهة، كي لا يقعوا في حيرة الشك و الضلالة، و لئلا تعرض عليهم أسباب التشكيك و التحير) لا كما يفعله بعض الدجالين اولي الأهواء و الأغراض فيظهرون امورا منكرة،

و أعمالا غير مرضية، توجب التفرقة و النفاق، و تشتت الحواس، فينجر الأمر بهم الى التشكيك في الأمور المسلمة المتيقنة، فتراهم تارة ينكرون الرجعة، و أخرى ينكرون الشفاعة، و لكن من سوء حظهم لم يتفطنوا الى انه لا جدوى لهم في اظهار أمثال هذه التمويهات، و نحن لو فرضنا- و العياذ باللّه- أنهم أخطئوا في اعتقاد ذلك الضروري، أ ليس أنت و هم سيان في النتيجة و لو كانوا صادقين فيه فهم في أتم راحة، و أكمل

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 17

سرور و سعادة، و لكن ما الذي ترى و ما الداعي الى أمثال هذه الكلمات الكاشفة عن قصر باعهم، و عدم اطلاعهم على كلمات أولياء اللّه و مغزاها، و أنهم من المستأنسين بكلمات أعدائهم، و إلا فلو كانوا ممن يرومون تهذيب العوام و تحليهم بالعقائد الحقة، فليس طريقه أن يأخذوا معول الهدم و التخريب بيد التشكيك و يحفروا في أساس كل أصل أصيل من الإيمان، و ليس من سبيله القدح في الأعاظم و النيل منهم، و ما كنت و اللّه أود أن نفرا يضع على رأسه شعار أهل العلم و يعزى- عل ما يزعم- الى رجال الدين تبدو منه هذه البوادر الكبرى التي لا تحجبها الجبال، فيخلب بها أبصار الزعانف و الاغرار، أو الطغام و الرعاع، و هم ينقادون اليه و لو القاهم في سواء الجحيم.

لا جرم أنهم مسئولون عن جنايتهم، و قائدهم الذي يقودهم بجهله. و يسوقهم بسوء فهمه، ذلك الذي يتفانى في سبيل أطماعه، و الاحتفاظ بوضعه و لو بهلاك الآخرين.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 18

أجل إن مسألة الرجعة و الشفاعة من الأمور

المسلمة، قد أذعن لها أرباب الدين ممن كان في عصر الأئمة (ع) و من تلا تلوهم، جيلا بعد جيل، و قبيلا بعد قبيل، و قد استدلوا على ذلك بادلة تثلج الصدور، و تستولي على الألباب، و تنقاد لها أعناق النقاد، حرروها في أسفارهم و رقموها في زبرهم، فلا عبرة بقول قائل بخلافهم، و لن أقول ذلك لحسن الظن بهم، و انما أقول عن اجتهاد و استدلال: و إن أنت نبذت اللجاج و أخذت بالعدل و الانصاف، و جعلتهما بين عينيك ميزانا للتصديق، و معيارا للتكذيب، فهلم و اسمع أيها المسلم المعتزلي إلى دين محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم (دين الإسلام) اسمع ما يقول لك امامك في أمثال هؤلاء الأشخاص! ففى الخبر قيل لأمير المؤمنين (ع): من شر خلق اللّه بعد إبليس، و فرعون، و نمرود؟ قال (ع): العلماء إذا فسدوا، و هم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق. انتهى.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 19

فعلماء السوء هم شر خلق اللّه بعد إبليس و أخويه، و هم أضر على العالم من الشياطين، أولئك الذين أظهروا الأباطيل و الأضاليل و الأقاويل المنكرة، و غرسوها بتزويق لسانهم و زخرف بيانهم في أذهان البلهاء و البسطاء، و المهم من ذلك داء التشكيك الذي سرى سمه في مسألة الشفاعة و الرجعة «1» التي هي من الأمور المسلمة بين المسلمين

______________________________

[1] و لقد كتبنا أخيرا كتابا ضخما ما يقرب من أربعمائة صحيفة باسم (الشيعة و الرجعة) و فصلنا القول فيها بتمام أطرافها فراجع تجده في جميع المكتبات.

______________________________

(1) (قد بسطنا الكلام في رسالة (تنبيه الأمة) و قد طبع كرارا، و أوردنا في (الطبعة الثالثة) مقدارا من الجهابذة و

الأساطين الذين دونوا الدواوين الخاصة في اثباتها [1] و يكفيك ما سئل عنها بعض الأفاضل من أصدقائنا الأعراب، عن سيدنا و أستادنا الأعظم زعيم الدين آية اللّه في العالمين السيد أبو الحسن أدام اللّه ظله في ليلة-

- السابع عشر من رمضان المبارك (1363) (أصل) السؤال: ما يقول مولانا الحجة؟ حدثت عندنا مشاجرة، يكون نسأل حضرتكم و هي: أنه من يطلع صاحب الزمان هل الأئمة يطلعون من بعده أم لا؟ (الجواب):

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* نعم، الأخبار المتواترة دالة على رجوع الأئمة عليهم السلام بعد ظهور الحجة عجل اللّه فرجه الشريف، الأحقر أبو الحسن الموسوي الاصفهاني.

و قد صادفنا أخيرا على أرجوزة للشيخ الفقيه المرحوم الشيخ حبيب اللّه الكاشاني (نور ضريحه) أداء لحقه نوردها و هي هذه يقول:

و رجعة الأئمة الاثنى عشر مع النّبيّ مذهب قد استقر و مؤمن محض و كافر محض رجوع كل منهما أمر فرض و ذاك أمر ممكن الوجود و النص فيه ظاهر الورود و أول الراجع زين الشهداء و لعلي كرتان للعدى و آخر الراجع زين الأنبيا فيقتل الشيطان رأس الأشقيا-

-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 21

عامة، فأي مسلم يجرأ أن يشك فيها بعد ما جاء بها كتاب اللّه و بينها في كثير من آياته؟ أو أي مسلم يقدر على انكارها و هي من الأمور المسلمة بل من ضروريات المذهب، فمن أظهر مصاديق قوله (ع) هم أمثال هؤلاء

______________________________

- فيملأ الأرض من العدل فما رأيت كافرا يروم صنما و للحسين دولة عظيمة سلطنة باقية عميمة

(و من) حسن التصادف و الاتفاق ما وفقنا اللّه له من كلام لشيخنا المجلسي (نور اللّه ضريحه) مكتوب في وصيته في شعبان (1108) مطبوع في

ايران أخيرا، و هو قوله: «و إن الموت حق، و سؤال القبر حق، و البعث حق، و النشور حق، و الرجعة التي انفردت بها الامامية حق، و إن الصراط حق، و الميزان حق، ..» أقول:

فاز من اعتقد بها و خاب و خسر المكذب لها نسأل اللّه أن يثبتنا عليها، و أن يجعلنا ممن يكر فيها بمحمد و آله الطاهرين. منه عفي عنه غرة شعبان 1365 ه.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 22

العلماء المموهين باسم الدين، فهم يهرجون تحت ستاره بمبادئ الانقسام و التفكيك بين معتنقيه، نعوذ باللّه من شرور النفس فانها تسول لصاحبها الوقوع في المهالك، و تورده الجحيم.

إن أنجع دستور للعمل، و أمتن وسيلة أوصى بها إلينا الامام (ع) لتعلم أحكام الدين و عقائده، و ما ينبغي لنا الجلوس فيه من المجالس لاكتساب تلك التعاليم، قوله (ع): «لا تجلسوا عند كل داع مدع، يدعوكم من اليقين الى الشك» فانت ترى الامام يحذر و ينهى عن الركون الى مجلس لا يزال فيه من يجعل مكان اليقين بالرجعة و الشفاعة مثلا شكا و انكارا، و محل الايمان حيرة، و يجركم بيده الأثيمة الى واد لا ينبت فيه إلا الضلال الى أن قال عليه السلام: «و تقربوا الى عالم يدعوكم من الكبر الى التواضع، و من الرياء الى الاخلاص، و من الشك الى اليقين. فهؤلاء هم الأفذاذ الذين ترجع اليهم الأمة في

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 23

أخذ أحكامها، فانظروا عمن تأخذون علمكم» هذا قول أبي جعفر الثاني (ع): (من أصغى الى ناطق فقد عبده، فان كان الناطق عن اللّه فقد عبد اللّه، و إن كان الناطق ينطق عن لسان

ابليس فقد عبد ابليس). فباللّه عليك أيها المنصف أ ترى أن المشكك في الأمور المسلمة بل في الضروريات من المذهب كالرجعة و الشفاعة يعد ناطقا عن اللّه؟!! أجل لقد صدق سيد الموحدين و ما برح صادقا في قوله (ع): «الناس ثلاثة: عالم رباني، و متعلم على سبيل نجاة، و همج رعاع، اتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح» انتهى. و إن أردت كلمة حق تنفض بها غبار التشكيك، فاربأ بنفسك عن الاستماع في الأمور الاعتقادية لقول كل أحد، و إلا فعليك بعرضه على ذلك العالم الرباني، أو على الذين لا ينطقون جزافا، بل يقولون بما فيه رضى الرب.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 24

المقدمة السادسة

من الأمور التي يجب على العوام و الجهال أن يعتمدوا في حكمها على العلماء و رجال التحقيق و يقلدوا في ذلك المجتهد العادل: هي مسألة حرمة حلق اللحية أو جوازها فانها من الموضوعات التي يجب الرجوع في معرفة حكمها الى المجتهد، و هو لا بد من أن يكون محكوما بحكم من قبل الشارع (فان للّه في كل واقعة حكما). و قد عرفت فيما سلف أن المرجع في رفع الحيرة في الشبهات الحكمية و بيان أحكامها الشرعية هو المجتهد العادل. أجل و اللّه ليجدر بالرجل الديني في عصره الحاضر أن ينخلع قلبه عن موضعه أسفا عند ما يلقي ببصره ما حوله، فيرى أبناء عصره قد ارتكبوا هذا للعمل الفظيع لا خائفين و لا وجلين و لو أنت وقفت وقفة إجمالية على حياتهم العملية لرأيتهم

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 25

كالذي يلوي جيده و ينأى بجانبه عن كلما فيه رضى الشارع و مع ذلك كله تراهم

بالأعين يمرغون وجوههم و نواصيهم بالحجر الأسود في بيت اللّه الحرام، و بالضرائح المقدسة في مشاهد الأئمة، و يتأوهون مستغيثين بهم، و يلهجون بقولهم: «مولاي عبدك و ابن عبدك، أنا مطيع لكم ممتثل لأمركم» و أمثال هذه العبارات، في حين أنهم يعلمون بأن معنى العبودية و قوامها احترام المولى، و احترامه إنما هو باطاعة أوامره و نواهيه، و عدم التخلف عن مراضيه، و ليت شعري و ليتني كنت أدري هل الرواية وصلت لهؤلاء في ترخيص هذا العمل الشنيع؟ أو الآية نزلت بها في الذكر الحكيم؟ أم ياترى يتخيل لهم إن ما في الوجه من الشعر- في غير ما ورد الترخيص فيه- داخل في الفضلات العشر من الجسد التي إزالتها من المندوبات الشرعية، كالأظفر، و شعر الابط، و أمثالهما؟

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 26

أم ياترى يتصورون أنه داخل في الخمسة «1» التي أمر اللّه خليله إبراهيم (ع) أن يدعو الناس الى فعلها؟ أو أنها في الخمسة الأخر التي أمره اللّه تعالى أن يأمر الناس بتركها،؟ أجل انها داخلة في الخمسة التي أمره تعالى بتركها، و سيد الأنبياء مأمور بمتابعة ما دعا إبراهيم الناس اليه. و خلاصة القول: انه يلزم الرجوع في حكم المسألة الى المجتهد العادل، فاما ان يختار فعله أو تركه، و لا قائل ظاهرا بجواز فعله.

المقدمة السابعة

في موضع اللحية و بيان معناها- اللحية في اللغة:

عبارة عن الشعر النابت على عظم اللحيين، قال في المجمع عند مادة (لحى): اللحية كسدرة: الشعر النازل على

______________________________

(1) ستأتي الزواية الشريفة في الأمر الثاني فانتظر.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 27

الذقن، و قال بعضهم: اللحية- بالكسر- هو: الشعر النابت على عظم اللحيين،

النابت على بشرتها شعر الوجه و الجمع (اللحى) و الذي يستفاد من مظان الأخبار: ان زينة الرجال و وقارهم و حليتهم: هي (اللحية) و بها يمتاز عن النساء، و لأجل ما فيها من المصلحة التي يشهد بها العقل السليم و العقلاء: خص الحكيم تعالى ذلك بنبينا آدم (ع) و أولاده الذكور الى يوم القيامة، على ما رواه صاحب (بحار الأنوار) في المجلد (16) في رواية ابن مسعود عن النبي (ص): انه لما تاب اللّه على آدم أتاه جبرئيل فقال: يا آدم حياك اللّه و بياك! فقال آدم:

أما حياك اللّه فأعرفه، فما بياك اللّه؟ «1» ثم سجد، فلما

______________________________

(1) في ج 16 من بحار الأنوار قال اضحك و في المجمع إن آدم لما قتل ابنه مكث مائة سنة لا يضحك ثم قيل له حياك اللّه و بياك فقال: و ما بياك فقيل أضحكك. و قيل غير ذلك راجع ج 7 من بحار الأنوار ص 46.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 28

رفع رأسه من السجود قال: يا ربي زدني جمالا! فأصبح و له لحية سوداء، فضرب بيده اليها فقال: هذه زينتك بها أنت و ذكور ولدك الى يوم القيامة. فظهر من الحديث أن جمال الكرامة من اللّه لآدم و ولده تدور على ابقائها إلى يوم القيامة، كما يقتضيه ظاهر الخبر.

المقدمة الثامنة

إن من جملة الأمور المحرمة حلق اللحية فانه مبغوض للشارع، و هو من المعاصي التي يترتب على فعلها العقاب لأن شارع هذه التعاليم و الأحكام المطلع على خصوصيات الأشياء و المزايا علم ان في هذا العمل مفسدة يجب درؤها و رأى في غامض علمه أن مصلحة العباد الدنيوية و الأخروية قائمة على تركه. و

إن أردت الوقوف على ما في هذا العمل من المفسدة فهلم معي لننظر ما ورد في بيان حرمته

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 29

و الإنباء عن مفسدته، و إن قصرت عقولنا عن درك ما فيه من المفسدة كما عليه أهل العدل من أن أوامر الشارع و نواهيه طرق و كواشف عن المصالح و المفاسد القائمة في نفس المأمور به و المنهي عنه، كما هو الشأن في بقية المحرمات الشرعية التي ليس بد من قبولها و لزوم إطاعتها و نحن نندب كل مسلم متورع في الدين الذي يجمعه و إيانا خطاب (تَعٰالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ) و يشترك معنا في الاقرار بوجود خاتم النبيين محمد بن عبد اللّه رسول اللّه (ص) الذي انزل عليه القرآن و يعترف بكل ما جاء به النبي الأمين و ليس من شك بعد هذا كله أنه يعلم إن بعد اليوم يوم آخر و هو اليوم الذي (تذهل فيه كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا وَ تَرَى النّٰاسَ سُكٰارىٰ وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ وَ لٰكِنَّ عَذٰابَ اللّٰهِ شَدِيدٌ) و هو يوم حشر و نشر و حساب و كتاب و ثواب و عقاب. و هذا السنخ من الكلام في هذه المسألة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 30

التي هي فرع من الفروع الشرعية و إن كان بالنظر الى غير المسلمين من أهل الملل و الأديان لا يفيد و لكن لنا أن نناظرهم في أصول الدين بلسان الدليل القاطع و نبرهن على بطلان عقائدهم بادلة تقطع جهيزة.

«كل أفاك و معاند» و يستدل على حرمة هذا العمل بوجوه

نذكرها في ضمن أمور:

[أما الأمور]

الامر الاول [الأدلة القرآنية]

في الأدلة الدالة على حكمه التكليفي الذي هو الحرمة و يستدل له بقوله تعالى في سورة النساء آية (119):

«وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلّٰا شَيْطٰاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللّٰهُ وَ قٰالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبٰادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ، وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ، وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 31

آذٰانَ الْأَنْعٰامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ، الخ. و تقريب الاستدلال بهذه الآية موقوف على إثبات مقدمتين: الأولى إحراز الصغرى أعني إثبات كون حلق اللحية من تغيير خلق اللّه

و الثانية إحراز الكبرى، أعني إثبات أن كل تغيير في الخلقة حرام، إلا ما ورد الترخيص فيه. أما الصغرى: فالظاهر أنه لا شبهة في كون هذا العمل تغييرا لخلق اللّه، سيما بملاحظة ما ورد في المقدمة السابعة من أن هذه الهيئة الخاصة من الأمور التي يلزم إبقائها و إنها زينة لنبينا آدم و ذكور أولاده الى يوم القيامة، فالتصرف فيها بغير ما ورد الترخيص فيه تغيير بلا كلام. و أما الكبرى فلعموم أو إطلاق الآية من قوله (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ) فانه عام شامل لكل تغيير إلا ما قام الدليل على جوازه (كالختان و تقليم الظفر) و شبه ذلك، الخارجة عن حكم العموم بدليل خارجي، كما هو قضية موارد العمومات و المخصصات. (فان قلت): لا نسلم الصغرى:

أعني كون حلق اللحية داخلا في مصاديق التغيير. (قلت)

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 32

إذن فما قولك في مثل الوشم و النتف و التنمص؟ فانها داخلة في التغيير قطعا، فكيف لا يدخل الحلق فيه (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزىٰ). على أن النبوي المشهور شامل لهذا الفرد من التغيير و روى فريد عصره (الشيخ الرازي) في (تفسيره) «حديث

لعن رسول اللّه (ص) الواشمة و المتوشمة و المفلجات و المغيرات، الحديث. و المراد بالواشمات: النسوة اللاتى تغرزن الأيدي بابرة ثم تذري عليها النيلج و هو دخان الشحم حىّ يخضر، و المتوشمات: اللاتي يعمل ذلك في أجسادهن. و المغيرون لخلق اللّه: أولئك الذين بدلوا حكم اللّه و حرموا ما أحل اللّه و حللوا ما حرمه، فان اللّه تعالى خلق لهم ذوات الأربع لينتفعوا بها حرموا ذلك على أنفسهم بالسائبة و البحيرة» انتهى نقل كلامه ملخصا. (و في مفتاح الكرامة) نقلا عن (ابن إدريس) عن النبي (ص): أنه لعن الواصلة و المستوصلة أي في الشعر، و الواشمة و المستوشمة و الواشرة و المؤتشرة، أي ترقيق الأسنان. و ذكر (العلامة الحلي) في (كتاب المنتهى) و نسبها

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 33

إلى الجمهور: من انه لعن رسول اللّه (ص) الواصلة و المستوصلة، و المنتوف شعرها بأمرها، و الواشرة التي تبرد الاسنان لتحدها و تفلجها، و المستوشرة التي يفعل ذلك بها باذنها، و الواشمة التي تغرز جلدها بابرة ثم تحشوها كحلا، و المستوشمة التي يفعل بها ذلك. و عن جماعة من العامة و الخاصة: كالزمخشري، و النيشابوري، و الفيض (قدس سره) الحكم بان في نتف شعر الحاجب تغييرا لخلق اللّه تعالى و تمسك (الزمخشري) بالنبوي المشهور: لعن اللّه الواشرات المغيرات لخلق اللّه. و عن بعضهم: إن لفظ التغيير في الآية عام، يتناول كل تغيير إلا ما ورد دليل و ترخيص من اللّه و رسوله.

و نقل العلامة (الشيخ الانصاري): النبوي في باب تدليس الماشطة عن علي بن غراب عن الإمام الصادق «ع»، انتهى.

و قد يتوهم: تخصيص الأكثر، لكن الظاهر أنه في غير محله:

لأن تخصيص الأكثر

المستهجن هو ما لا يبقى معه تحت عموم العام إلا أفراد نادرة، و لقلة أفراده يكون التخصيص

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 34

مستهجنا، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل بعد فرض أن الباقي تحت دليل الحرمة أفراد كثيرة: كقطع الاذن، و فقأ العين، و جدع الانف، و شق اللسان، و قطع الذكر، و سل البيضتين.

فالاستدلال بالآية على الحرمة لا مانع منه. و قد تمسك بها جماعة من الأعلام: كصاحب الحدائق على بعض الوجوه و صاحب الوافي، و كذا العلامة السيد الكاظمي، و الشيخ الحائري، و الحاج محمد حسن كبة، و السيد الفقيه اليزدي أعلى اللّه مقامهم. و توهم: كون المراد من التغيير في الآية، المعنوي، مدفوع بقرينة صدر الآية و ذيلها؛ أما الصدر: فقوله: (فَلَيُبَتِّكُنَّ) فانه ظاهر في الأمور الخارجية التي هي موارد لأمر الشيطان خصوصا بملاحظة جدع الانف من أصله، كما ذكره الطبرسي أعلى اللّه مقامه، أو شق آذان الانعام كما عن (مجمع البحرين) فهما ظاهران في إرادة الفعل الخارجي لا الأمر المعنوي، و ذلك أن الابل عند ما تلد خمسة بطون و حينما تلد الخامسة و فيها نعومة عملوا ذلك الفعل فيها و حرموها على أنفسهم. و أما

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 35

قرينة الذيل: فكلمة «خَلْقَ»: فانها ظاهرة في التغيير الحسي التكويني، لا المعنوي التشريعي على معنى تغيير خصوص أحكام الدين و لو سلم؛ فهذا أيضا من الدين، فيتم الاستدلال بالآية على حرمته، و اللّه العالم.

(الثاني): قوله تعالى: «وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً» ففي (تفسير القمي) أعلى اللّه مقامه عن الصادق (ع) قال: انزل اللّه على ابراهيم الحنيفية أي الطهارة و هي

عشرة اشياء، خمسة في الرأس، و خمسة في البدن. أما التي في الرأس فاخذ الشارب، و اعفاء اللحى، و طعم الشعر، و السواك، و الخلال. و أما التي في البدن: فحلق الشعر من البدن، و الختان، و قلم الأظفار، و الغسل من الجنابة، و الطهور بالماء و هي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها ابراهيم فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله تعالى «وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً». و في المجلد (16) من (البحار) من طرق العامة مثله. و في (الوسائل) عن (المجمع) عن (تفسير القمي) مثله. و تقريب الاستدلال: أن تلك الأمور

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 36

العشرة قد جاء بها إبراهيم (ع) فلم تنسخ و لن تنسخ إلى يوم القيامة، و خاتم الأنبياء مأمور باتباعها و دعوة هذه الأمة إليها، و من جملتها أخذ الشارب و هو مستحب، و اعفاء اللحية أي الامتناع عن حلقها و ابقائها. و توهم: أن اشتمال الرواية على بعض الأمور المندوبة مع وحدة السياق يقتضي حملها على الاستحباب؛ مدفوع أولًا: باشتمالها على غسل الجنابة و هو واجب- و ثانيا- بأن التفكيك بين فقرات الرواية المشتملة بعضها على امور مستحبة و بعضها على امور واجبة ليس بعزيز في الفقه، و ظهور الأمر في الوجوب فيما لم يرد فيه ترخيص واضح لا سترة فيه فلا يعدل عنه بلا قرينة.

الامر الثاني- ما ورد من الأخبار الدالة على حرمته-

(منها) الخبر المروي في (كتاب الجعفريات) تأليف موسى بن

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 37

اسماعيل بن موسى بن جعفر سلام اللّه عليهما فلا شبهة في كونه في أعلى مراتب الوثاقة؛ قال النجاشي: اسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن

علي بن الحسين عليهم السلام سكن مصر و ولده بها، و له كتب يرويها عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الدعاء، كتاب السنن و الآداب، كتاب الرؤيا. أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه، قال حدثنا أبو محمد سهل بن أحمد بن سهل، حدثنا علي بن محمد بن محمد بن الأشعث بن محمد الكوفي بمصر قرأته عليه قال حدثنا موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر قال حدثنا أبي بكتبه. و نقل (شيخنا العلامة المامقاني) عن (كتاب المعالم) لابن شهر آشوب مثله و عن ابن داود القمي أنه ذكره من أصحاب أبيه عليه السلام. و قد استدل على مدحه و علمه و فضله و فقهه و حسن عقيدته بكثرة تصانيفه و في ترجمة صفوان بن يحيى حديث انه مات بالمدينة سنة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 38

216 فبعث إليه أبو جعفر بحنوطه و كفنه، و أمر اسماعيل بن موسى بالصلاة عليه، و ذلك يدل على جلالته و وثاقته. و قد استوفى حق ترجمته شيخ مشايخنا في الاجازة في (خاتمة المستدرك) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع و يظهر لك جليا بتتبع كلمات الاصحاب رضوان اللّه عليهم قديما و حديثا أن هذا السفر في أعلى مراتب الاعتبار، و ممن قال باعتباره.

و اعتمد عليه في عصرنا الحاضر: خاتم المجتهدين و سلطان المحققين سيدنا العلامة الاستاذ أدام اللّه ظله في مجلس الدرس و ذلك أنه (دام ظله) كان يبحث عن أحكام الموتى و النقل من مكان إلى آخر، مطلقا، و كان يميل إليه، فعرضت لحضرته بان في (كتاب الجعفريات) ما يمنع عن ذلك و أظهرت

الرواية و أصلها: أن رجلا مات بالرستاق على رأس فرسخ من الكوفة فحملوه إلى الكوفة فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأنهكهم عقوبة، ثم قال: ادفنوا الأجساد في مصارعهم و لا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون الموتى إلى بيت المقدس.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 39

فاستحسنه (دام ظله) و اعتمد عليه و لذا استشكل أخيرا في كتابه (الوسيلة الكبرى) التي أصبحت اليوم يدور عليها رحى الفتوى، و تتناولها أيدي المجتهدين في جميع الاقطار واحدا بعد آخر، قال (دام ظله) في باب مجوزات النبش:

«و منها نقله إلى المشاهد المشرفة، مع الايصاء بنقله قبل دفنه فخولف عصيانا أو جهلا أو نسيانا فدفن في مكان آخر، أو بلا وصية منه أصلا. و عندي في جميع هذه الصور الثلاث تأمل و إشكال، و ان كانت هي متفاوتة فاشكلها ثالثها ثم ثانيها ثم أولها» انتهى كلامه دام ظله. و الغرض من الإطناب: أن اعتبار هذا الكتاب لا يقصر عن (الكافي) و شهادة كل واحد من العلماء يكفي في الاعتماد عليه و الاستناد إليه، و المراد من هذا البيان بطوله: الاحتجاج على حرمة حلق اللحية برواية مروية في هذا السفر بهذا الاسناد و نحن نوردها مع السند: قال محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي المتقدم عن أبي الحسن موسى بن اسماعيل بن موسى بن

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 40

جعفر بن محمد، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه عن علي بن أبي طالب (ع) قال: قال رسول اللّه (ص) «حلق اللحية من المثلة، و من مثل فعليه لعنة اللّه» و خلاصة القول: أن حلق اللحية من المثلة يترتب على فاعله لعنة

اللّه و صدور اللعن من الرب مستلزم للمبغوضية، لكونه طردا على وجه السخط و الغضب، و هو من اللّه عقوبة و لا ينفك عنه في نظر العرف و اللغة، فاذا كان اللعن الالهي عبارة عن غضبه و عقابه دل ذلك على حرمة هذا الفعل أبلغ الدلالة، و هو المطلوب، إذ لا كلام لأحد في حرمة المثلة «1» و لو لم يكن الفعل من المثلة لما صار من مصاديقها.

______________________________

(1) و روى شيخنا العلامة في (البحار) في (ج 6) نقلا عن (مجمع البيان) أنه لما رأى رسول اللّه (ص) ما فعل بأصحابه و بعمه (حمزة) من المثلة من جدع الانوف و الآذان و قطع المذاكير قال لئن أدالنا اللّه لنفعلن مثل ما فعلوا .. الخ و فيه انه كان الكفار مثلوا بجماعة و كان حمزة أعظمهم مثلة-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 41

الثاني: الخبر المروى (في الكافي) و اعتبار هذا الكتاب غني عن البيان، فانه تالي تلو القرآن، و أول كتاب من الاصول الأربعة- للإمامية- للمحمدين الثلاث- تأليف ثقة الإسلام و المسلمين محمد بن يعقوب الكليني «رضوان اللّه عليه» ألفه من الاصول الصحيحة في زمن (الغيبة الصغرى) و نيابة السفراء الأربعة في مدة (20) سنة، و هو أجل و أجمع كتاب، و أتقن و أحسن سفر للإمامية، يرجعون إليه و يعتمدون عليه، و لشدة ارتباط مؤلفه مع السفراء و اختلاطه معهم و رجوعه التام إليهم يبعد في النظر عدم عرضه الكتاب عليهم و عدم اطلاعهم «ع» عليه، و من هنا يستكشف رضا الامام و تقريره له، و لو فرضنا عدم الرضا بذلك ففي الامكان أن يردعه و لو بواسطة أحد سفرائه، سيما و أنه

مطلع على

______________________________

- و في وصايا أمير المؤمنين (ع) لمولانا الحسن السبط (ع) أنه قال في خطبته يا بني و لا يمثل بالرجل فأني سمعت جدكما يقول: و لا يمثل بالرجل و لو بالكلب العقور.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 42

ان الامام هو الحافظ للشرع و الشريعة و القائم به و إذا كان هذا السفر له أهمية كبيرة ترجع إليها هذه الطائفة في اعمالها و أفعالها، و هو من امهات كتبها، فمن المؤكد أنه قرره و أمضاه، و ليس غرضي من ذلك الاشارة إلى العبارة المتداولة على الألسن و تصحيحها (الكافي كاف لشيعتنا)، لأن هذه العبارة لم يعلم صدورها من المعصوم (لو لم يكن معلوم العدم)، و انما غرضي من ذلك التقرير الأول: أعني بذلك عرضه عليه «ع» و تقريره إياه. و على كل حال فاعتبار هذا السفر و صحته كالشمس في رابعة النهار.

بل و لو لم يكن إلا ما قاله العلامة السيد مهدي بحر العلوم (أعلى اللّه مقامه) في حق هذا الكتاب لكفى قال في (رجاله) بعد أن ذكر النبوي المشهور: «إن اللّه يبعث لهذه الأمة في رأس كل مأئة سنة من يجدد لها دينها» ما لفظه [و النقل للمحدث النوري في مستدركه] و ما ذكره ابن الأثير و غيره من العامة أن (الكليني) هو المجدد لمذهب

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 43

الإمامية في المائة الثالثة: من الحق الذي أظهره اللّه على لسانهم و أنطقهم به، و من نظر كتاب (الكافي) الذي صنفه هذا الإمام (طاب ثراه) و تدبر فيه تبين له صدق ذلك و علم مصداق الحديث فانه كتاب جليل عظيم النفع عديم النظير، فائق على

جميع كتب الحديث بحسن الترتيب و زيادة الضبط و التهذيب، و جمعه للأصول و احتواءه على أكثر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار، و قد اتفق تصنيفه في (الغيبة الصغرى) بين أظهر السفراء في مدة (عشرين سنة) كما صرح به (النجاشي) و قد ضبط أخباره في (16199) وجدت ذلك منقولا عن (العلامة) و قال (الشهيد) في (الذكرى): إن ما في (الكافي) يزيد على ما في مجموع (الصحاح الست)، وعدة كتب الكافي: (32).

انتهى كلامه رفع مقامه. و الحاصل: انه لا حاجة إلى الاطالة، فالمقصود بيان الحديث المروى في هذا الكتاب و كيفية الاستدلال به على حرمة حلق اللحية، و لاشتمال الرواية على دلائل الامامة، اذكرها مسندة من باب التيمن و التبرك فأقول

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 44

و باللّه استعين: إن لهذا العبد طرقا كثيرة ربما تبلغ إلى خمسة و خمسين، أحسنها و أنقاها و أحبها إلي: ما أرويه عن سيدي و سندي و من عليه بعد اللّه سبحانه و أوليائه عليهم السلام اعتمادي، و عنه إسنادي، علامة الدهر، و فريد العصر، خاتم المجتهدين، مفتي الشيعة و حافظ أحكام الشريعة، الإمام الممتحن السيد أبو الحسن الموسوي الأصبهاني، عن شيخه في الاجازة العلامة الاصولي الرجالي الشيخ فتح اللّه النمازي ثم الاصفهاني، و العلامة الحجة أبي محمد السيد حسن ابن العلامة السيد هادي الكاظمي، و- لي عنه طاب ثراه اجازة- كتابة و شفاها- عن الإمام الانصاري، عن المولى أحمد النراقي، عن العلامة الطباطبائي، عن السيد حسين القزويني، عن السيد السعيد الشهيد السيد نصر اللّه الحائري، عن مولانا العلامة المجلسي باسانيده الكثيرة على ما في مجلد الاجازات من بحاره إلى صاحب الكافي، عن علي بن محمد،

عن محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 45

عن أحمد بن قاسم العجلي، عن أحمد بن يحيى، عن محمد بن خداهي، عن عبد اللّه بن أيوب، عن عبد اللّه بن هاشم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن حبابة الوالبية، قالت: رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس، و معه درة، و لها سبابتان، يضرب بها بياعي الجري و المار ما هي و الزمير، و يقول لهم:

يا بياعي مسوخ بني اسرائيل، و جند بني مروان، فقام فرات ابن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين و ما جند بني مروان؟ فقال له: أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب فمسخوا، فلم أر أحسن ناطقا منه.

ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما دلالة الامامة يرحمك اللّه؟

قالت فقال: ائتني بتلك الحصاة- و أشار بيده إلى حصاة- فأتيته فطبع فيها بخاتمه الشريف، ثم قال:

يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيتيني

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 46

فاعلمي انه امام مفترض الطاعة، و الإمام لا يعزب عنه شي ء يريده.

ثم قالت: انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين (ع) فجئت إلى الحسن (ع) و هو في مجلس أمير المؤمنين و الناس يسألونه، فقال: يا حبابة الوالبية!

فقلت: نعم، يا مولاي.

فقال: هات ما معك. قالت: فاعطيته إياها، فطبع كما طبع أمير المؤمنين.

قالت: ثم اتيت الحسين (ع) و هو في مسجد رسول اللّه (ص)، فقرّب و رحّب، فقال: إن في الدلائل دليل على ما تريدين، تريدين دلالة الإمامة. فقلت:

نعم يا سيدي، فقال: هات ما معك، فناولته الحصاة فطبع لي فيها.

قالت: ثم أتيت إلى علي

بن الحسين (ع) و قد بلغ لي من الكبر إلى أن ارعشت، و أنا أعد يومئذ (113)

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 47

سنة، فرأيته راكعا و ساجدا مشغولا بالعبادة، فيئست من الدلالة، فأومأ إلي بالسبابة فعاد إليّ شبابي.

قالت: فقلت: يا سيدي كم مضى من الدنيا، و كم بقى منها؟

قال: أما ما مضى فنعم، و أما ما بقى فلا «1».

قالت: ثم قال: هات ما معك فاعطيته الحصاة فطبع لي فيها.

ثم أتيت أبا جعفر فطبع لي فيها.

ثم أتيت أبا عبد اللّه فطبع لي فيها.

ثم أتيت أبا الحسن موسى (ع) فطبع لي فيها.

ثم أتيت الرضا (ع) فطبع لي فيها.

و عاشت حبابة بعد ذلك تسعه أشهر- على ما ذكره

______________________________

(1) أقول: قوله أما ما مضى فنعم معناه أنه نعلم ما مضى و لنا معرفة به و أما ما بقى فلا يعني لا سبيل لنا إلى معرفته لأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 48

محمد بن هشام- أما فقه الحديث: فعبد الكريم بن صالح الخثعمي: هو من أصحاب مولانا الصادق و الكاظم (ع) ثقة- لقبه الكرام، و أما حبابة الوالبية فعلى ما ذكره في الوافي- بالتشديد و فتح الحاء- و عن شيخنا المامقاني نقلا عن صاحب القاموس: انه بالتخفيف- و الأمر فيه سهل تشديدا أو تخفيفا، فعدها الشيخ من أصحاب مولانا الحسن، و ابن داود القمي في رجاله أنها من أصحاب الامامين و علي ابن الحسين و محمد بن علي، و قد عرفت انها أدركت سيد الموحدين أمير المؤمنين (ع) إلى مولانا الرضا سلام اللّه عليهم أجمعين، و بقيت بعد ما أدركت ثامن الحجج تسعة أشهر.

هذا خلاصة القول

في جلالتها و وثاقتها، و الشيخ الطوسي في (كتاب الغيبة) ذكر لها عدة فضائل، أعودها:

سعادتها بالتشرف بخدمة ثمانية حجج من حجج اللّه، و من فضائلها: أن مولانا الرضا (ع) كفنها بثوبه، و في

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 49

زيارة يوم المولود ما يشير إلى هذه القضية، و هو: (السلام عليك يا خاتم الحصاة، و مبين المشكلات) و قد عاد إليها شبابها باشارة مولانا السجاد (ع) من باب الاعجاز، و كان عمرها يومئذ (113)، و قد عاشت بعد ذلك (123) سنة، فيكون مجموع عمرها (236) سنة.

و مورد الاستدلال بالحديث بعد سؤال فرات بن أحنف بقوله: يا أمير و ما جند بني مروان؟

جوابه (ع): «قوم حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب، فمسخوا».

و تقريب الاستدلال: أن هذا الفعل الذي هو حلق اللحية من المعاصي الكبيرة، كابتياع الأسماك المحرمة الأكل، فان العمل إذا اقتضى لفاعله المسخ من صورة الانسانية التي هي أبدع الصور إلى صورة القرد و الخنزير و ما اشبههما من المسوخات، كفى دليلا على ايجابه الحرمة، كيف و لو كان حلالا لكان هذا المسخ من العذاب في غير

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 50

مورده! إذ من الممتنع في العقل: ممن سبقت رحمته غضبه الذي لا ييأس من رحمته إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ، ان يتبع هذا الفعل المفروض جوازه هذا التعذب، إذن فلم يكن الفعل المتبوع بالمسخ الالهي إلا لأجل حرمته و ان فاعله مرتكب لأعظم المعاصي و أقبح الذنوب، و لو كان المسخ آية الكراهة لم يأت بكلمة (لا)، و لم يشدد في أمره، و لم يستوجب ذلك هذا الضرب من المتعارف العقاب و الخطاب بكلمة (يا جند بني مروان) فان

المخاطبين لم يكونوا من البهائم، بل كان لهم عقل و ادراك يميزون به، فلو لم يكن من المعاصي و الأفعال المنكرة لاعترض واحد منهم و لقال: يا سيدنا ليس هذا العمل من المنكرات المحرمة، فسكوت هؤلاء الجماعة و عدم اعتراض واحد منهم دليل: على ان حرمة بيعها و ابتياعها مغروسة في أذهانهم و ممنوع في شرع الإسلام، و كذلك حلق اللحية من المعاصي الكبيرة في شرع الإسلام.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 51

(الثالث): الخبر المروى في «قرب الاسناد» «1» تأليف شيخ القميين- و وجههم- عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال العلامة في «الخلاصة» في القسم الأول منها: عبد اللّه ابن جعفر بن الحسين بن مالك جامع الحميري، شيخ القميين و وجههم، قدم الكوفة سنة نيف و تسعين و مأتين، ثقة، من أصحاب العسكري (ع).

و عن (النجاشي) مثل ما قلناه باضافة: انه ألف كتبا كثيرة- يعرف منها: كتاب الامامة، كتاب الدلائل، و ذكر عدة من كتبه إلى أن يقول: كتاب قرب الاسناد إلى الرضا (ع)، كتاب قرب الاسناد إلى أبي جعفر بن الرضا .. الخ.

و كيف كان فقد روى في هذا الكتاب رواية عن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن أخيه موسى (ع) قال: سألته عن اخذ

______________________________

(1) و ذكره في البحار عن كتاب المحاسن لأبي عبد اللّه البرقي.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 52

الشارب أسنة هي؟ قال: نعم.

و سألته عن الرجل: أن يأخذ من لحيته؟ قال:

أما من عارضيه فلا بأس، و أما من مقدمه فلا

أما علي بن جعفر (ع): فله من الجلالة و العظمة ما يغنى عن

البيان، و له (كتاب المناسك و المسائل) لأخيه موسى بن جعفر (ع) سأله عنها، و أما الكتاب: فهو كواحد من امهات كتب الامامية، و قد اطبق جميع الفقهاء و المحدثين على اعتباره، و الكلام في توثيق صاحبه من قبيل توثيق الامام الذي لا يخلو من تجرؤ و جسارة، و في مدفنه الشريف خلاف بين المجلسيين، نعم يوجد قبر خارج مدينة قم معروف بقبر «علي بن جعفر» و المجلسي الأول بنى على انه مدفون فيه، هكذا نقله (الفريد) عن خط جده (المجلسي)، و أما أولاده فمنتشرون في العالم و من جملتهم في اصفهان قبر يعرف (بسيد كمال الدين)، قرب قرية تسمى (بسين خوار)، لكن (المجلسي الثاني) يرى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 53

خلاف ذلك، و قد اعترض على والده بأنه اشتباه و منشؤه انه مكتوب على قبر احد أولاده فلان بن فلان بن علي ابن جعفر، و قد انمحى بعض الأسماء و لم يبق سوى علي ابن جعفر، فيتخيل لمن يراه ان ذلك قبر حضرته «1»، و دليله: انه لم يذكر في شي ء من تاريخ مدينة قم، مع أنه قد عد لذكر الأشراف و الأعيان الذين نزلوا فيه، و لم يتعرض لذكره، (ع) شيئا و انما المذكور فيه أولاده، و من البعيد جدا ان مثل حضرته لو كان واردا إلى هذه المدينة التي كانت من اهم المراكز الشيعية التى تأوى إليها في تلك العصور لكان مذكورا في تاريخه. و أما الرواية فنصوصيتها في عدم جواز الأخذ من مقدمه (يعنى الوجه) تغنى عن البيان.

[الأمر الثالث في الدليل العقلي]

الرابع: ان العقل السليم، يحكم بقبح تصرف العبد غير المأذون في ملك مالكه، و لا يخفى أنّ ما على

وجه

______________________________

(1) و الصواب انه مدفون بالمدينة المنورة في العريض، و قبره معروف يزار فيه. منه

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 54

البسيطة مملوك لخالقه و مالك رقابه، و معنى العبودية هو:

أن يعمل العبد بما فيه رضا مولاه الحقيقي، و أن لا يتصرف فيما يتعلق به إلا ما ورد الترخيص منه فيه.

و إلا فالتصرف فيما لم يرخص فيه الشرع كان خروجا عن وظيفة العبودية و طغيانا على المولى، و هذا المعنى ظلم و قبيح عند العقل، فحلق اللحية من الأمور التي لا يرخص فيه شرعا فارتكابه خروج عن وظيفة العبودية، و الخروج من وظيفة العبودية قبيح عقلا، فحلق اللحية قبيح عقلا.

و أما القائل: أن ملكية اللّه من مقولة، و ملكية العباد من مقولة اخرى، فلا يتعدى الحكم من إحداهما إلى الاخرى. فذره لقائله، لأنا نقول بما تقتضيه ظواهر الشرع و الشريعة، و لا نعتني بقول من يخالفها.

[الأمر الرابع في الإجماع]

الخامس: الاجماع، الذي ادعى على حرمته، و ذلك:

أن شيخ مشايخ الإسلام بهاء الملة و الدين، و السيد المحقق الداماد قدس سرهما، قد ذكرا: انعقاده في كتابيهما.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 55

قال العلامة البهائي: في كتابه «الاعتقادات»: ان حلق اللحية كبقية المآثم الكبيرة: من قبيل القمار، و السحر، و الرشوة، و لم يخدش واحد من العلماء الأعلام في حرمته، فظاهر مقالته: ان المسألة إجماعية، بل ربما كان من الضروريات و المسلمات عند الكل.

و قال السيد الداماد في «رسالة شارع النجاة»:

إن حلق اللحية حرام بالإجماع. و ادعى ابن سعيد في «جامعه»: عدم الخلاف فيه. و نزيدك توضيحا عند نقل الفتاوى و كلمات الأعلام، كالشيخ الكبير كاشف الغطاء فانه أرسل حرمته ارسال المسلمات كغيره في

كتابه (كشف الغطاء) في أحكام الحمام.

[الأمر الخامس في السيرة القطعية]

(السادس): السيرة القطعية في جميع الأدوار و الاعصار قولا و عملا، من زمان آدم إلى زمان خاتم الأنبياء إلى زماننا هذا، من جميع الطبقات على اختلافها: من الأنبياء، و الأوصياء، و الأولياء، و الصالحين، بل بعض

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 56

الملوك و السلاطين، فانها جارية على حفظ هذه الهيئة الخاصة- كما تحدثنا عنهم سلسلة الحوادث التأريخية- و لا يوجد في أي تأريخ من تواريخ الأمم: ان واحدا من الموحدين و أولياء اللّه و الخلفاء الراشدين، و الأئمة الطاهرين، صدر منه هذا العمل و لو مرة واحدة في عمره.

و لو أنت أمعنت النظر في طبقات الناس طبقة بعد اخرى: من رؤساء المذاهب، و مراجع الإسلام من العامة و الخاصة، بل القسيسين و الرهبان، و علماء اليهود، و غيرهما من الملل و الأديان الخارجة عن الإسلام: كالصابئة، لرأيت بأم عينك اهتمام الكل في حفظ هذه الهيئة، بل انظر إلى المتدينين من ذوي الصنائع، فلو أن شخصا منهم تجاوز في ذلك عن الحد العرفي الذي هو الميزان الشرعي و المعيار في صدق ذلك العنوان: كان ذلك و لا شك بأنظارهم موهونا تارة، و مرميا بالفسق اخرى.

فهل ياترى يحسن بنا و نحن أبناء اولئك الآباء الذين

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 57

ما برحوا متمسكين بتلك التعاليم القيمة: ان ندعها فنذهب ضحية لتعاليم الشيطان التي اندلعت ألسنتها في بلاد الإسلام، فسرى سمها القتال في أدمغة المسلمين بكل حيلة و وسيلة، حتى انخدع بها شيبنا فضلا عن شبيبتنا ممن افتتن بحب المدنية الحاضرة المبهرجة بمظاهرها الخلابة، فأخذوا يحملون على متونهم ألوية الفسق و الضلال بالرغم من

كل رادع ديني أو وازع الهي فواه ثم واه! أين أولئك الآباء الصلحاء عن هؤلاء الأبناء؟! لينظروا كيف تعترضهم الهوة فتبعث بهم إلى حيث ... فما بالهم لا يميزون بين سوانح الخير و بوارح الشر! و ما بالهم طفقوا يسيرون على غير الجادة فراحوا يخبط بهم الأرض خبط عشواء في ليلة ظلماء، لا يدرون إلى أين يذهبون و في أي واد يسلكون؟! ...

ف إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ!

لا أريد بكلمتي هذه إلا أن ازعزع باركان أولئك الذين ارتكبوا هذا العمل الفاضع مهما كبروا و مهما كانوا

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 58

يعقلون، أريد ان يتدبروا فيما فعلوا و أي شي ء ارتكبوا، أريد أن لا يتركوا تلك التعاليم الصحيحة المؤسسة على حفظ نظام الهيئة الاجتماعية، و ان لا يشنوا اثر الغارة معقلها الحسير و سرادقها المتين، فالى م تقابلون اليقظة بالسنة؟

و حتى م لا تثقف عقولهم التجارب و لا توقظهم العبر التي أصبحت تملأ السمع و البصر؟

فباللّه عليك انا لو أردنا ان نقسم الناس إلى قسمين:

عادل و فاسق، و ندع الحكم للمنصفين- ان وجدناهم- ففي أي قسم يا ترى هؤلاء يكونون؟ و في أي طرف يقعون؟

و خلاصة القول: إن اهتمام سائر الطبقات من أي ملة و دين في حفظ هذه الهيئة في جميع العصور و الأزمان:

كاشف قطعي عن محبوبيتها و مبغوضية خلافها عند اللّه و رسوله، فلا حاجة إلى أن اسرد لك أو أملى عليك اكثر من تلك الأدلة المتقدمة. فان المتدين الورع تكفيه واحدة من الأدلة القاطعة المفيدة المقنعة لمن لم يتسربل بسرابيل الجهل و الطيش،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 59

و لم يمتط غارب الزيغ، و

لم يذب عقله بتيار هواه، و يذهب بصيرته، فان ذلك و لا سيما في أمر الدين غير محمود العقبى، و لا نحتاج بعد هذا إلى التعرض لبعض ما ورد من الأخبار في المقام. و لكن لا بأس بأن نذكر طرفا منها بنحو التأييد:

[الأمر السادس الروايات المؤيدات]

الأول: الأخبار الواردة من الفريقين من العامة و الخاصة بعبارات مختلفة، ففي بعضها النهي عن التشبه بأعداء اللّه في هذا العمل القبيح، و من ذلك: ما رواه الصدوق أعلى اللّه مقامه في الفقيه- و هو احدى الكتب الأربعة- التي ترجع إليها الامامية في أخذ التعاليم الشرعية، و اعتباره و اشتهاره كالصبح إذا أسفر، قال العلامة بحر العلوم: انه احدى الكتب الأربعة، و اشتهاره كالشمس، و أحاديثه معدودة في الصحاح بلا خلاف.

أما أصل الرواية فعن اسماعيل بن مسلم عن مولانا الصادق (ع) انه قال: اوحى اللّه إلى نبي من أنبيائه:

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 60

قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس اعدائي و لا تأكلوا مآكل اعدائي فتكونوا أعدائي كما هم اعدائي.

أما اسماعيل بن مسلم: فهو من الثقات و ممن انعقد الاجماع على توثيقهم و قبول روايتهم، و هذا اسماعيل بن مسلم هو السكوني المعروف، و من ليس له اطلاع و خبرة بحال الرجال و الرجل يرميه بالضعف، و الرجل و ان كان عاميا إلا أنه معدود في جملة الموثقين، قال الشيخ الامام الطوسي في (العدة): اجماع الامامية على العمل برواية عمار و أمثاله ممن عدوهم- و منهم السكوني- و قال أيضا في حقه: إن الامامية مجتمعة على العمل برواية السكوني و عمار و من مثلهما.

فالرواية من حيث السند لا اشكال فيها، و من حيث المتن كذلك، فانه حديث قدسي، فهو

تام سندا و دلالة.

و تقريب الاستدلال: هو أن اللّه تعالى قد أوحى إلى نبي من أنبيائه: ان يحذر الذين آمنوا عن التردي برداء اعدائه،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 61

و التجنب عن مطاعمهم التي يطعمونها، و مسالكهم التي يسلكونها، و ألا (فكونوا أعدائي كما هم أعدائي).

فكل موحد و مؤمن باللّه يعلم: أن هذا الخطاب متوجه إليه و مختص به، فعليه أن يتجنب عن مواردها و لا يحوم حولها كي لا يندرج في زمرة أعدائه، أما تشخيص المصاديق الخارجية أعني بذلك: مآكلهم و مشاربهم و ملابسهم، فلا اخالها تخفى على أحد.

فكل ما كان من زيهم من الملبس و المأكل و المشرب، كالجبن المتخذ من لبن الخنزير و غيره، و الخمر و شبهها، و الألبسة المغايرة لملابس المسلمين، يجب الاجتناب عنها.

و كذا ما يغرسونه في أدمغة أطفالهم من التعاليم التي لا ربط لها بالمعارف الالهية فلا تعلموها أطفالكم، فانهم يشبون عليها، فالحديث شامل لجميع ذلك، و من الواضح لدى كل أحد أن اظهر مسالكهم هو: (حلق اللحية).

(الثاني) من المؤيدات: رواية المفضل بن عمر

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 62

- على ما في (المجلد الثاني) من (البحار)، نقلا عن (توحيد المفضل)- حيث انه (ع) بعد بيان حكمة اللحية للرجال و انها للتميز بين الصنفين قال (ع): إذا كان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر، و عز الرجل، يخرج به عن حد الصبا و شبه النساء، و ان كانت انثى يبقى وجهها خاليا من الشعر، لتبقى لها البهجة و النظارة، التي تحرك الرجل لما فيه دوام نسله و بقائه.

فالحكمة الالهية قد اقتضت ان تكون هذه الهيئة الخاصة و الكيفية

المخصوصة، علامة للذكران، فيخرجون بها عن عهد الصبا و مشابهة النساء، و خلو النساء من ذلك كان لعدة مصالح:

منها: الطراوة و النظارة، لتحرك الرجل لما فيه بقاء نسله و دوامه. فوجود هذه الهيئة في الرجال كان لأجل انها زينتهم و جمالهم، و فقدانها في النساء كان لازدياد حسنهن و طراوتهن، و هي من اقوى العوامل لترغيب الرجال فيهن،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 63

فسبحان الذي جعل كل شي ء في موضعه.

ثم قال الإمام (ع): لو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته أ لم يكن سيبقى في هيئة الصبيان و النساء؟ فلا ترى له جلالا و وقارا.

فاستفسر المفضل بقوله: سيدي فقد رأيت من يبقى على حالته و لم ينبت الشعر في وجهه و ان بلغ الكبر؟

فقال (ع): «ذٰلِكَ بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللّٰهَ لَيْسَ بِظَلّٰامٍ لِلْعَبِيدِ»*.

و الغور في بيان هذه الجملة يخرج الكلام عن موضع المسألة، و يشير الامام (ع) في هذا المقام إلى دقيقة نكتفي بذكر رواية نقلها المحدث المعاصر القمي (ره) في كتاب «سفينة البحار» في مادة (صلع) عن مولانا أمير المؤمنين (ع) انه قال: لا تجد في اربعين كوسج رجلا صالحا، و لا تجد في أربعين أصلح رجل

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 64

سوء «1».

و من المؤيدات: الخبر المروى في كتاب «معاني

______________________________

(1) إن شريحا كان كوسجا، و كان يتمنى أن تكون له لحية، و لو كان يمكن ابتياعها بعشرة آلاف درهم، و كان عثمان بن حنيف الأنصاري يومئذ واليا على البصرة من قبل علي أمير المؤمنين (ع) و قبل نزول الأمير كان يحارب الكفار، فغدروا به و اخذوه أسيرا، و كان من فعلهم معه

أنهم نتفوا شعر لحيته، و اوردوا الأذى إلى عينه، و كسروا رجله، و عند وصوله إلى أمير المؤمنين (ع)، شكا إليه حاله و خاطبه بقوله: (بعثتنى ذا لحية و جئتك امردا)، و أنت ترى انه لم يشتك إليه هما حل به من كسر رجله و ما فعلوه بعينه، بل شكا إليه ما فعلوه بلحيته، و ما ذاك إلا لأهمية هذه الهيئة، و في كتب العامة أن أصحابه كانوا يتمنون أن تكون له لحية، و لو بابتياعه بعشرين ألف درهم، و ذكره المسعودي.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 65

الأخبار» على ما نقله (الصدوق) باسناده عن علي بن غراب، عن مولانا الصادق (ع)، عن أبيه، عن جده قال، قال رسول اللّه (ص):

«حفوا الشوارب و اعفوا اللحى، و لا تشبهوا بالمجوس» انتهى.

أما علي بن غراب: فهو من أصحاب الصادق (ع)، و وثقه النجاشي و العلامة، فالحديث نص صريح في المنع من التشبه بالمجوس، معللا ذلك في حديث آخر، و هو:

(ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم، و أما نحن فنجز الشوارب و نعفي عن اللحى و هي الفطرة).

فلا يحل لامرئ مسلم أن يتشبه بالمجوس بجز لحيته و توفير شاربه، لأن ما جاءت به الفطرة: جز الشوارب و اعفاء اللحى، و هذه طريقة المسلمين.

قال (المحدث الكاشاني) في شرح الحديث: (الحف الاحفاء، و هو الاستقصاء في الأمر و المبالغة فيه، و احفاء

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 66

الشارب المبالغة في جزه، و الأعفاء الترك، و إعفاء اللحى:

ان يوفر شعرها، من عفى الشعر إذا كثر و زاد، قوله عليه السلام: و اعفوا عن اللحى، أي: لا تستأصلوها بل اتركوا منها و وفروا، و قوله

(ع): لا تتشبهوا باليهود، أي: لا تطيلوها جدا، و ذلك ان اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها، فذكر الاعفاء ثم النهي عن التشبه باليهود، دليل على ان المراد بالاعفاء ان لا يستأصل و يؤخذ منها من دون استقصاء، بل مع توفير و ابقاء، بحيث لا يتجاوز القبضة فيستحقوا النار.

قال بعض المنسوبين إلى أهل العلم و الحكمة: أنه فهم من هذا الحكم طلب الزينة الالهية، من قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ» فنظر في لحيته فاذا كانت الزينة في توفيرها و ان لا يأخذ منها شيئا تركها، و ان كانت الزينة في أن يأخذ منها قليلا حتى تكون معتدلة تليق بالوجه و تزينه اخذ منها على هذا الحد، و قد روى عن النبي (ص)

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 67

انه كان يأخذ من طول لحيته لا من عرضها».

انتهى كلامه، و لعل مراده: ان الزينة تختلف باختلاف الناس في لحاهم، و لهذا لم يحدد أعني من جهة التقليل و ان حدد من جهة التوفير)، انتهى ما في الوافي.

(و من المؤيدات): روايات اخر، قد تضمنت النهي عن التشبه باليهود:

فمنها: ما رواه علم الهدى السيد المرتضى عن النبي (ص) انه قال: حفوا الشوارب و اعفوا اللحى، و لا تتشبهوا باليهود، و في بعض الأخبار: بدل لا تتشبهوا باليهود، بالمجوس، و على تقدير لا تتشبهوا باليهود، فالغرض من لا تتشبهوا بهم، أي: لا تستطيلوها جدا، لأن اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها، و الذي يؤدي إليه نظر القاصر و ان لم أر من احتمل هذا الاحتمال، اعني: ان قوله: لا تتشبهوا باليهود، من جملة أنباء الغيب الصادرة عنه عليه السلام، و ان ذلك بملاحظة

أغلب اليهود في

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 68

العصر الحاضر، فانا نراهم بالحس يحلقون لحاهم إلا القليل، كعلمائهم فانهم يطيلونها و لا يأخذون شيئا منها.

(و من المؤيدات): الخبر المروي في الخصال، نقله الصدوق (ره) عن جابر، عن مولانا الباقر (ع):

لا يجوز للمرأة ان تتشبه بالرجال، لأن رسول اللّه (ص) قال: لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء، انتهى.

أما جابر فهو من أصحاب مولانا الباقر (ع) و له فضائل جمة و قضايا مهمة، و يكفينا في مدحه ما ذكره بعض العامة في ذمه:

(منها): ما رواه مسلم في صحيحه، عن محمد بن عمر الرازي، قال: سمعت حريزا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفى فلم اكتب عنه، لأنه يؤمن بالرجعة.

(و منها): ما عن يحيى بن معين، انه قال: جابر الجعفي لا يكتب حديثه و لا كرامة.

(و منها): ما قاله زائدة: جابر بن يزيد الجعفي،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 69

كان كذابا يؤمن بالرجعة.

(و منها): ما عن أبي حنيفة- على ما ذكره جامع الترمذي- انه قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي.

(و منها): ما عن السمعاني في أنسابه، في ترجمة جابر كان سبئيا من أصحاب (عبد اللّه بن سبأ) «1» كان يقول:

ان عليا يرجع إلى الدنيا، هذا ما ورد في حقه من طرق غيرنا.

و أما من طرقنا: فقال (العلامة المجلسي): و الذي يخطر ببالي من تتبع اخباره: انه كان من أصحاب اسرار الصادقين،

______________________________

(1) عبد اللّه بن سبأ هذا ممن يحسبه المخالفون على الشيعة، و يتخذونه سببا للطعن على هذه الطائفة، و كتب الشيعة مملوءة من طعنه و البراءة منه. على ان الرأي القائل بانه شخصية خيالية من نسيج الوضاعين لا يخلو من قوة

و وجاهة.

راجع كتاب (عبد اللّه بن سبأ) للسيد مرتضى العسكري دام فضله.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 70

و كان يذكر بعض المعجزات التي لا يدركها عقول الضعفاء.

و في (بصائر الدرجات) لشيخ القميين عن جابر: ان الباقر عليه السلام أراه ملكوت السماوات و الأرض، بأن ذهب بعد ارائته ملكوت السماوات و الأرض إلى الظلمات، و شرب معه ماء الحياة، ثم اخرجه من هذا العالم إلى عالم آخر، و هكذا إلى اثني عشر عالما، قائلا: انه كلما مضى منا امام سكن احد هذه العوالم حتى آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنون فيه، ثم عادوا في مجلسها الأول، فسأله (ع): كم مضي من النهار؟ فقال: ثلاث ساعات.

و عن (الكشي)- على ما في (خاتمة المستدرك)، عند ترجمة يونس بن عبد الرحمن- نقلا عن فضل بن شاذان، يقول:

حج يونس بن عبد الرحمن (54) حجة، و اعتمر (54)، و ألف ألف (1000) مجلد ردا على المخالفين، و يقال:

انتهى علم الامامة (ع) إلى أربعة: نفر أولهم: سلمان

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 71

الفارسي (رض)، و الثاني: جابر، و الثالث: السيد «1» و الرابع: يونس بن عبد الرحمن، و المراد من جابر: هو الجعفي، (لا الأنصاري) و لو أردنا الخوض في ترجمة «جابر» لأحوجنا إلى مجلد مستقل، فان له من رفيع الدرجة و علو المنزلة ما لا يحتاج معه إلى الوصف كما لا يخفى على من راجع الأخبار.

أما فقه الحديث: فقد بين الامام (ع) لجابر مطلبين:

الأول: انه لا يجوز للنساء ان يلبسن الألبسة المختصة بالرجال. و يتشبهن بهم، و حرمة ذلك مما لا كلام فيه.

الثاني: حرمة تشبه الرجال بالنساء، بأن يحلقوا لحاهم، فان التشبه يعم

ذلك.

و لعن رسول اللّه (ص) المتشبهين من الرجال

______________________________

(1) و المراد به السيد الحميري صاحب القصائد الشهيرة.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 72

بالنساء، «1» و الفعل المتبوع باللعن الالهي دليل: على حرمته، و انه من كبير المعاصي و قبيح الذنوب.

و من (المؤيدات): ما اورده صاحب تاريخ (المنتقى في مولد النبي المصطفى) المؤرخ الشهير العلامة الدحلاني في السيرة النبوية و الآثار المحمدية، و العلامة المجلسي في ج 6 من البحار في باب مراسلات النبي المختار إلى ملوك الروم و الفرس: انه كتب كسرى إلى (باذان) قهرمانه و هو (بانويه) و كان كاتبا حاسبا، و بعث معه رجلا من الفرس يقال له: (خرخسك) فكتب معهما إلى رسول اللّه (ص) يأمره ان ينصرف معهما إلى كسرى، و قال لبانويه: ويلك انظر إلى الرجل و كلمه و ائتني بخبره، فخرجا حتى قدما المدينة على رسول اللّه (ص) و اعلمه بانويه و قال له: ان شاهنشاه ملك الملوك كسرى كتب

______________________________

(1) و في رواية الخصال و لعن اللّه المتشبهات من النساء بالرجال.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 73

إلى الملك باذان يأمره ان يبعث إليك من يأتيه به، و قد بعثني إليك لتنطلق معي، فان قبلت اكتب فيك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك و يكف عنك به، و ان ابيت فهو من قد علمت. فهو مهلكك و مهلك قومك و مخرب بلادك، و كانا قد دخلا على رسول اللّه (ص)، و قد حلقا لحاهما و اعفيا شواربهما، فكره «1» النظر إليهما، و قال:

ويلكما من امركما بهذا؟

قالا: امرنا ربنا- يعنيان بذلك كسرى-.

فقال رسول اللّه (ص): لكن ربي أمرني باعفاء لحيتي و قص شاربي ... الخ.

فالشاهد ان

مخاطبتهما بالويل و كراهة النظر إليهما و قوله امرني ربي، اوضح دليل على ان ما ارتكباه من المنكرات في شرع الإسلام، فان الفعل المتبوع بالويل الذي

______________________________

(1) و يحتمل ان تكون النسخة: فكرر النظر إليهما

منه دام ظله.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 74

هو واد في جهنم، دليل على اليأس من الجنة، و كفى به برهانا على ايجابه الحرمة، و انه من المعاصي الكبيرة، و ان ما نهى عنه و امره بخلافه أمر منكر، و الأمر ظاهر في الوجوب، فلا يعدل عنه بلا قرينة،

(الأمر السابع): الأخبار الواردة عن النبي (ص) من طرق اخواننا أهل السنه

، و انما اشرنا إلى ذلك:

ليتجلى لك بوضوح ان المسألة من المتسالم عليها بين العامة و الخاصة، و ليس لأحد منهم في ذلك شبهة، و نحن نذكر عدة أحاديث من الصحيحين: البخاري و مسلم، باسنادي، فنقول:

ان لهذا العبد إلى الصحاح الست طرقا كثيرة، نكتفي بما عن سيدنا العلامة الحجة السيد عبد الحسين الموسوي آل شرف الدين (ره) عن العلامة الشيخ محمد عبد الحي ابن الشيخ عبد الكريم الكتاني الفارسي الادريسي، عن المعمر عبد الهادي بن العربي المقراوي الشهير بالعواد، عن

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 75

الحافظ محمد بن علي السلفي، عن ابي طالب المايزوني، عن محمد بن عبد اللّه المقرب، عن قطب الدين المكي، عن أبي الفتوح الطاوسي، عن المعمر بابا يوسف الهروي، عن محمد بن شاذبخت الفارسي، عن يحيى بن شاهان الخثلاني، عن الفربري، عن البخاري.

و أيضا عن السيد العلامة، عن الشيخ المتقدم، بطريق آخر إلى البخاري، و هو ما عن المعمر أحمد، عن الملا صالح السويدي البغدادي الشافعي، عن السيد محمد مرتضى الزيدي الحسيني، عن المعمر بن الغلائي، عن الشيخ بن العجل اليميني،

عن القطب النهرواني، عن أحمد بن أبي الفتوح الطاوسي، عن المعمر بابا يوسف الهروي، قال:

عاش (300) سنة، عن شاذبخت الفارسي الفرغاني، عن يحيي بن شاهان الخثلاني، عن محمد الفربري عن البخاري في كتابه (ص) 159، عن محمد بن منهال، عن يزيد بن زريع، عن محمد بن زيد، عن نافع، عن

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 76

ابن عمر، عن النبي (ص) انه قال:

خالفوا المشركين: و فروا اللحى، و احفوا الشوارب.

و كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته فما فضل اخذه.

و فيه: في باب اعفاء اللحى، مسندا عن ابن عمر، قال:

قال رسول اللّه (ص): انهكوا الشوارب و اعفوا اللحى.

أقول: و الأمر في الروايتين ظاهر في الوجوب.

و فيه أيضا ص 159، عن محمد بن بشار، عن غندر، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:

لعن رسول اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال.

و فيه ص 194 عمن حدثه، عن جرير، عن منصور، عن ابراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، لعن الواشمات

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 77

و المنتمصات، و المتفلجات للحسن، المغيرات خلق اللّه تعالى.

ما لي لا ألعن من لعن النبي و هو في كتاب اللّه قوله:

«وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» متتابعين بطريق آخر ص 166.

و فيه: باسناده عن عون بن أبي جحفة، قال:

رأيت أبي فقال: ان النبي نهى عن ثمن الكلب، و اكل الربا و مؤكله، و الواشمة، و المستوشمة.

إلى هنا ما اردنا ايراده من البخاري.

و أما طرقنا إلى مسلم: فعن سيدنا العلامة المتقدم، عن شيخه في الاجازة من طرقهم، عن العلامة الشيخ بدر الدين الدمشقي، عن الشيخ

علي السقاط، عن الشيخ علي الأجهودي، عن الشيخ نور الدين علي القرافي، عن الحافظ جلال الدين السيوطي، عن البلقيني، عن التنوخي، عن سليمان بن حمزة، عن أبي الحسن علي بن نصر، عن عبد الرحمن ابن مندة، عن الحافظ محمد بن عبد اللّه، عن مكي

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 78

النيسابوري، عن الإمام مسلم صاحب الصحيح ص 226، عن اسحاق بن ابراهيم و عثمان بن أبي شيبة، و اللفظ لإسحاق، اخبرنا جرير، عن منصور بن ابراهيم، عن علمة، عن عبد اللّه، قال:

قال رسول اللّه (ص): لعن اللّه الواشمات و المستوشمات، و المتنمصات، و المتفلجات للحسن، المغيرات خلق اللّه.

قال: فبلغ ذلك امرأة من بنات أسد يقال لها:

أم يعقوب، و كانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك انك لعنت الواشمات و المستوشمات، و المتنمصات للحسن، المغيرات خلق اللّه؟

فقال عبد اللّه: و مالي لا ألعن من لعنه رسول اللّه (ص) و هو في كتاب اللّه، فقالت: المرأة لقد قرأت المصحف فما وجدت، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال اللّه عز و جل: «وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 79

عَنْهُ فَانْتَهُوا» فقالت المرأة: فاني ارى شيئا من هذا على امرأتك، فقال: الآن اذهبي فانظري.

قال: قالت: فدخلت على امرأة عبد اللّه فلم تر شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: لو كان ذلك لم نجامعها. انتهى.

و خلاصة القول في هذه الأحاديث: ان الوشم و التنمص، الذي عبارة عن نتف شعر الوجه و امثالهما، و قد لعن اللّه فاعله على لسان نبيه، و الثمن بإزائها كثمن الكلب و الخنزير و أكل الربا، و لا

شبهة في حرمة ثمن الخنزير و اكل الربا، و ثمن الكلب في غير الموارد المستثناة و دخول هذه الامور في التغيير من الامور المرتكزة في الأذهان، و لهذا تعجبت أم يعقوب عند سماعها الحديث من «عبد اللّه» و فيه اللعن على أمثال تلك النساء، [و الذي جرى ما جرى بينهما] فالغرض من سوق هذه الأحاديث: تأييد ما بيناه سابقا من احراز الصغرى، اعني:

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 80

ان حلق اللحية داخل في التغيير، كالوشم و النتف و التنمص، التي نطقت هذه الأحاديث بحرمتها، و ترتب اللعن على فاعلها، فلا مجال اذا لإنكار الصغرى، لأن امثال هذه الأمور المذكورة في مظان هذه الأخبار: نظير قطع اللسان، و جدع الأنوف، و قطع الأذان، و فقأ العين، و سل البيضتين، من التغيير، فلم لا يكون حلق اللحية من التغيير، مع أنا نرى بالعيان تغيير صورته و هيئته الخاصة عند حلقها، و من هنا تعلم ان المسألة أعني: حرمة حلق اللحية، من الأمور المسلمة عند اخواننا اهل السنة أيضا، و قد عده الإمام الغزالي من المنكرات و المحرمات و الكبائر. و حكم في مثل نتف الشعر بالكراهة، و قال: السبب في ذلك انه مشوه للخلقة. و النووي من أعاظم علماء أهل السنة و شيوخهم، ذكر اللحية فأرسل حرمة حلقها ارسال المسلمات.

[الأمر الثامن في ذكر ما يتعلق بنقل الفتاوى]

اشارة

(الأمر الثاني): في ذكر ما يتعلق بنقل فتاوى علماء الامامية و كلمات زعماء الدين و أئمة المذهب، و تنصيصاتهم على حرمة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 81

هذا العمل.

فمنهم شيخ الإسلام بهاء الملة و الدين، و السيد الداماد، فقد ادعى كل واحد منهما الاجماع على حرمته- كما تقدم-.

و منهم: ابن سعيد

في باب أحكام الحمام.

و منهم: شيخنا السعيد الشهيد، و فخر الدين أعلى اللّه مقامهما، حكما بحرمة حلق الخنثى «1» لحيتها لاحتمال رجوليتها، و ارسال حرمته ارسال المسلمات.

و منهم: العلامة المجلسي الأول في شرح الفقيه [كتاب فارسي] حيث يقول: ان حرمة حلق اللحية هي ظاهر أكثر العلماء، و وافق الشهيد المسألة.

و منهم العلامة المجلسي الثاني في مرآت العقول و حلية المتقين، و في ج (16) من البحار قال: ان حرمة حلق اللحية مشهورة بين العلماء، و قد جزم بحرمته.

______________________________

(1) ذكر كلامهما المحدث النوري في حاشية كتابه (الكلمة الطيبة) فراجع.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 82

و منهم الشيخ الكبير كاشف الغطاء في باب آداب الحمام، و قال: يحرم حلقها، أي: اللحية «1» و يستحب توفيرها، و لم يذكر خلافا لأحد في المسألة.

و منهم: الملا محسن الفيض (ره) في (الوافي)، فانه بعد أن نقل عدة أخبار قال: و قد مضى في كتاب الحجة حديث أمير المؤمنين (ع): ان أقواما حلقوا لحاهم و فتلوا شواربهم فمسخوا، إلى ان قال: و قد أفتى جماعة من فقهائنا بتحريم حلق اللحية، و ربما يستشهد لهم بقوله تعالى حكاية عن ابليس: «وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ»- انتهى.

و في كتاب (الصافي) يقول: و يزيده تأييدا قوله عز و جل عقيب ذلك: «ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» و تغييرهم فطرة اللّه

______________________________

(1) و عن الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء أعلى اللّه مقامه في أجوبة المسائل كما سيأتي.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 83

بالإسلام، و العلة يندرج فيه كل تغيير لخلق اللّه عز و جل من جهة صورة أو صفة من دون اذن من اللّه، كفقئهم عين الفحل الذي طال مكثه

عندهم، و اعفائه عن الركوب، و خصاء العبيد، و كل مثلة لا ينافيه التفسير بالدين، لأن ذلك كله داخل فيها.

و منهم: المحدث البحراني في آخر كتاب الطهارة من (الحدائق)، فانه بعد أن نقل الأخبار قال: و يستفاد من هذه الأخبار فوائد إلى ان قال: الثانية: الظاهر كما استظهره جماعة من الأصحاب تحريم حلق اللحية لخبر المسخ المروي عن أمير المؤمنين (ع)، فانه لا يقع المسخ إلا على ارتكاب أمر محرم بالغ في التحريم. و أما الاستدلال بآية وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ، ففيه: انه قد ورد عنهم، ان المراد: دين اللّه، فيشكل الاستدلال بها على ذلك، و ان كان ظاهر اللفظ يساعده.

أقول: قد عرفت عدم الاشكال و تمامية الاستدلال

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 84

بها على ذلك، و ان فيها ذيلا و صدرا ما يعين بكون المراد من التغيير التكويني منه لا التشريعي، إلى آخر ما مر فراجع.

و منهم: المحدث الحر العاملي، في باب عدم جواز حلق اللحية من كتاب «1» (وسائل الشيعة).

و منهم: المحدث النوري عليه الرحمة، فانه جعل عنوان المسألة بابا مستقلا من أبواب (مستدرك الوسائل)، مضافا إلى ما أورده في الوسائل: صحيحة (كتاب الجعفريات)، و رواية (كتاب دعائم الإسلام) لأبي حنيفة القاضى النعمان المصري، عن الجامع الصغير، عن ابن عساكر، عن مولانا الحسن السبط، عن علي بن أبي طالب عليهما السلام، عن النبي (ص)، انه قال: عشر خصال عملها قوم لوط، بها اهلكوا، و تزيدها امتي خصلة، إتيان الرجال

______________________________

(1) أورد فيه عدة روايات استدل بها على التحريم فراجع.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 85

- إلى ان قال: و قص اللحية، و طول الشارب، و

رواية عوالي اللئالئ، عن جابر، عن رسول اللّه (ص) انه قال: قال رسول اللّه (ص): ليس منا من سلق و لا خرق و لا حلق، و علق عليه صاحب الكتاب في الحاشية:

بأن المراد من الحلق: حلق اللحية.

و قد اورد بعض «1» الأعلام في رسالته المختصرة عدة اخرى.

منهم العلامة الطباطبائي، و صاحب الحدائق، و السيد الجزائري، و السيد عبد اللّه شبر، و صاحب الجواهر، و صاحب البدائع، أعلى اللّه مقامهم، و أما العلامة الانصاري ففي أواخر مجمع المسائل في المسائل المتفرقة قال:

(مسألة): حلق اللحية: حرام، و كذا القرض ان لم يكن مما ورد الترخيص به. و أقر ذلك جميع من في

______________________________

(1) و هو شيخنا في الرواية الحجة السيد حسن الصدر «ره».

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 86

عصره من الحجج و الآيات، و في الذخيرة لفقيه الدين الشيخ زين العابدين الحكم بحرمته، و المرحوم الحاج محمد حسن كبة كتب رسالة مختصرة في هذا الباب و قال فيها:

لا ريب في حرمة حلق اللحية و كونها كبيرة، و المرحوم حجة الإسلام الصدر الاصفهاني، و المرحوم السيد محمد كاظم، و المرحوم الحائري المازندراني في جواب المسائل الهندية، قد افتى الجميع بالحرمة.

أما المرحوم الصدر فقال في تلك المسائل: «قد حررت هذه المسألة مفصلا و أرجو العذر عن مقدار ما عرضت به، و من يقول بعدم حرمته فلا يخلو حاله من أحد أمرين: أما لعدم كونه من الراسخين في العلم، أو يروم بذلك إظهار فضيلته، و اللّه العالم.

حرره الراجي ابن صدر الدين العاملي».

و أما جواب السيد عليه الرحمة: فانه صرح في عدة مواضع بالحرمة، و نحن نذكر موردا واحدا من تلك

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن،

ص: 87

الموارد من المسائل، من المجلد الثاني من كتابه (الغاية القصوى):

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* جملة من الروايات دلت على حرمته، و من جملتها مضافا إلى ما في الوسائل في باب آداب الحمام: ما عن (عوالي اللئالئ) عن النبي (ص):

ليس منا من سلق و لا خرق و لا حلق، بناء على ما فسره صاحب الكتاب في الحاشية: بأنه ليس منا من سلق غيره بلسانه و خاطبه بما يكره، و لقلة حيائه و وقاحته يهذو و يهذر و يبذر المال تبذيرا، و يحلق لحيته. و ما عن الجعفريات: «حلق اللحية من المثلة، و من مثل فعليه لعنة اللّه». و ما عن الحسن بن علي على ما نقله السيوطي في الجامع الصغير انه قال: «عشر خصال عملها قوم لوط و بسببها اهلكوا، و من جملتها قرض اللحى»، إلى أن قال:

«و يمكن الاستدلال عليه بأدلة حرمة تشبه الرجال بالنساء، و بما دل على حرمة المشاكلة باعداء الدين و سلوك مسالكهم

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 88

و طريقتهم»، إلى أن قال: «و كيف كان، فحلق اللحية حرام، و قد صرح العلماء بذلك».

و ممن صرح بذلك المرحوم حجة الإسلام آية اللّه الميرزا الكبير الشيرازي، و المرحوم الميرزا محمد تقي، و أما المرحوم الشيخ الحائري فقد أجاب عن تلك المسائل بقوله:

أما الدليل الكاشف عن الحرمة فمن الكتاب قوله تعالى:

«فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ» بتقريب: ان ابليس في مقام اضلاله يقول: لآمرنهم بتغيير الخلقة، مخالفا لمقتضى المقام الذي هو بيان اضلاله، و من جملة ما هو تغيير في الخلقة حلق اللحية.

و ممن صرح بذلك المرحوم حجة الإسلام الآقا- محمد حسين الطبسي- و هو من الطراز الأول في المجمع العلمي في

سامراء. و منهم الحجة البالغة الشيخ محمد كاظم الشيرازي.

و ممن صرح بالحرمة المرحوم استاذنا العلامة آية اللّه

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 89

الحائري «1» اليزدي أعلى اللّه مقامه و غيرهم «2».

______________________________

(1) و هو الشيخ الحجة آية اللّه العظمى مؤسس الحوزة العلمية في قم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري.

(2) مثل سيد الطائفة السيد محمد باقر الرشتي ثم الأصفهاني، و صاحب (الوسائل) أيضا في بداية الهداية، و صاحب (الوافي) أيضا في (المفاتيح) و في (منهاج النجاح)، و صاحب الكرامات الفقهية المولى قربان على الزنجاني، و المحقق الإيراواني، و الفقيهان: الشيخ محمد حسن المامقاني، و المولى محمد الشربياني، و أيضا المحدث النوري في حاشية (الكلمة الطيبة)، و شيخنا العلامة المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في رسالة مستقلة، و العلامة الحاج ميرزا أبو القاسم الأردوبادي صرح في كتابه الطهارة: بأنها من الضروريات عندهم، و العلامة الشيخ محمد باقر اليزدي السيرجاني، و العلامة السيد نجم الحسن الهنداوي، و غيرهم ممن يطول الكلام بذكر أساميهم الشريفة ممن قاربنا عصرهم.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 90

و أما فتوى سيدنا ملاذ الشيعة و فخر الشرع و الشريعة، الإمام الاستاذ آية اللّه العظمى السيد أبو الحسن أدام اللّه ظله، فقد صرح في أجوبته عن مسائل عديدة بالحرمة.

1- في اجوبة المسائل البغدادية: أصل السؤال:

ما يقول مولانا الحجة هل يجوز حلق اللحية بالموس أم لا؟

الجواب: لا يجوز حلق اللحية لا بالموس و لا بغيره، و اللّه العالم.

2- في أجوبة المسائل الشاهرودية: أصل السؤال:

ما رأيكم في حلق اللحية أ هو جائز أم لا؟

الجواب: نعم: هو حرام و اللّه العالم.

3- في أجوبة المسائل الأصفهانية:

السؤال: أخذ اللحية بالموس أو بالآلة المعبر عنها

«بالماكنة» بتمام أقسامها حرام أو لا؟ و على فرض الحرمة: فهل يحرم ذلك على من كان في أول أوقات

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 91

بلوغه و تكليفه أم لا؟ و ما رأيكم في الأشخاص الذين يلاحظون أصنافهم و يزعمون أنهم إذا تركوا مراعاة لهم بعدم حلقها أو أخذها بتلك الآلة يسخرون.

الجواب: حلق اللحية حرام، و كذا أخذها بتلك الآلة إذا خرج عن الصدق العرفي: بأن لا يصدق عليه «لحية» و لا فرق في ذلك بين الأشخاص حتى من كان في أول آنات بلوغه و تكليفه، و حكم اللّه لا يتغير لأجل السخرية و الاستهزاء، و اللّه العالم.

4- ما أفاده في جواب مسائل طهران على ما في الطبع الرابع من هذا الكتاب ما ترجمته:

السؤال: حلق اللحية حرام أم لا؟ و على الأول يجب الكفارة أم لا؟

الجواب: نعم، حلق اللحية حرام و لا كفارة عليه، و لكن في إزالة الغير شعر لحية غيره الأرش، و أما الأرش و كيفيته: فراجعوا كتاب (المنية) فانه قد بين ذلك فيها.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 92

فتاوى المتأخرين عن السيد الامام الاصفهاني

و منهم الحجة البالغة زعيم الدين السيد البروجردي طاب ثراه في (انيس المقلدين) أمضى ما أفتى السيد- ره- بالتحريم، و في (التوضيح) ص 458 في الرقم 2844 ما ترجمته:

حلق اللحية حرام و لوب (ماكنة) إذا كان مثل الحلق، و في هذا الحكم جميع الناس سيان، و حكم اللّه لا يتغير بالاستهزاء و السخرية. و منهم السيد الزاهد الفقيه القمي (ره).

و منهم السيد الفقيه، الحجة الاصطهباناتي في عدة مسائل، منها: ما لبعض الفضلاء من أهل فيروزآباد:

هل يجوز حلق اللحية أم لا؟ و أرجو من جنابكم التفصيل في الجواب.

بِسْمِ

اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* نعم، هو حرام و التفصيل

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 93

يراجع إلى رسالة «المنية» الشريفة، من التأليفات النافعة الشائعة، لحجة الإسلام و المسلمين الشيخ محمد رضا الطبسي دام ظله، فانه أحسن كتاب في تحقيق المسألة وضعا و تكليفا، 4 رجب المرجب 1372. و عنه أيضا، أصل السؤال: رجل حلاق داوم على حلق اللحية فهل يجوز له أن يأخذ ثمنا في مقابل هذا العمل أم لا؟ و هل يجوز صرفه في الزيارة أو غيرها أم لا؟

الجواب: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* لا يجوز له أخذ الثمن بهذا العنوان، و لا صرفه في الزيارة و لا غيرها.

و في سؤال آخر: هل يجوز حلق اللحية أم لا؟

الجواب: حلق اللحية حرام، و حكمه الحرمة، ان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه، و لوجوب الاعراض عن الآتي بالمنكر، و اللّه العالم.

و منهم: الشيخ الأجل الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، قوله في جواب المسائل: الظاهر تحقق

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 94

الاجماع على الحرمة. و منهم استاذنا الأعظم النائيني (ره).

و منهم: الحجة الزاهد الفقيه السيد ميرزا مهدي الشيرازي طاب ثراه، حلق اللحية حرام، و لا يختص بخصوص الحلق، بل يحرم مطلق استيصال اللحية و لو بالمقص أو الماكنة.

و منهم: السيد الفقيه الحجة الآية المثلى السيد حسين الحمامي أعلى اللّه مقامه، في أجوبة المسائل: يحرم حلق اللحية للسيرة المستمرة القطعية، و لانعقاد الاجماع على ذلك، و المستفاد من مجموع الأخبار ذلك أيضا.

و منهم: هادي الأمة و وارث علوم الأئمة السيد عبد الهادي الشيرازي المتوفى في مثل هذا اليوم الذى اصيب فيه المسلمون بفاجعته، و هو العاشر من صفر 1382 ه، و

كان يوم وفاته يوما مشهودا تغمده اللّه بغفرانه، في عدة موارد منها في جواب مسائل كربلاء: حلق اللحية حرام، و يحرم ما يأخذه الحلاق من الاجرة على الحلق، و لا

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 95

يملكها الحلاق.

و وافق في (توضيح المسائل) ص 144 في رقم 2815 و في جواب بعض المؤمنين حيث يسأل عنه بقوله: ما تقول سيدنا في حلق اللحية؟ و ما مقدار إبقائها باقل الواجب؟

و هل تترتب الحرمة على الحالق و المحلوق منه؟

الجواب: باسمه تعالى يحرم حلق اللحية على الحالق و المحلوق منه، و يجب ابقاؤها بمقدار يصدق على الشخص أنه ذو لحية.

ثانيا: ما تقولون في رجل اكوس اللحية و في جانبي وجهه شعرات قليلة، هل يجوز حلق هذه الشعرات؟

بسمه تعالى شأنه إذا كانت الشعرات من شعرات اللحية فلا يجوز حلقها، و اللّه العالم.

ثالثا: رجل كامل اللحية، و يريد أن يحلق جانبي وجهه، هل هذا جائز؟ (لا يجوز و اللّه العالم).

رابعا: رجل كامل اللحية، و يريد أن يكون

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 96

ذو لحية رفيعة برفع الأصابع، فهل يجوز؟ هذا راجين التفضل بفتواكم.

بسمه تعالى شأنه، لا يجوز هكذا، نعم لا بأس بالاصلاح و بالأخذ منها إذا كان الشعر طويلا، و اللّه العالم. الأقل عبد الهادي الحسيني الشيرازي 6/ 12/ 1380.

إلى هنا كان بساط البحث مبنيا على بيان ما يتعلق بحلق اللحية من الحكم التكليفي، و قد عرفت حرمته مشفوعة بالكتاب و السنة، و الاجماع، و العقل، و السيرة القطعية قولا و عملا في جميع العصور، مؤيدا بأمور اخر كالنهي عن تشبه الرجال بالنساء، و التشبه باعداء اللّه و أمثال ذلك، مضافا إلى فتاوى الأصحاب

و كلمات الأعلام، و مراجع الإسلام، قديما و حديثا من العامة و الخاصة، فان الجميع متفقون على حرمته، و إذا كان كل هذه الأدلة المتضحة المشفوعة بفتاوى علماء الشرع و أساطين الدين لا توجب هداية الجاهل و تقنيع المسترشد، فلا بد لنا من

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 97

التعوذ باللّه من أيدي هؤلاء الذين استهدفهم الشيطان بسهمه.

في فتاوى الائمة الاربعة بالتحريم

و هو ما عن الأئمة الأربعة، (منها): فتوى الإمام أبي حنيفة بالتحريم، كما في (الدر المختار) و أكثر كتب الحنفية، (و منها): فتوى مالك في شرح الرسالة لأبي الحسن، و الحاشية للعدوى: إذا حصلت به المثلة، (و منها):

فتوى الشافعي في (شرح العباب)، و هي مذكورة في كتاب الإمام الشافعي نفسه، (و منها): فتوى الحنابلة بالحرمة، بين تصريح بأن المعتمد حرمة حلقها، و بين تنصيص بها من غير نقل خلاف- كما في (كتاب الانصاف) و غيره- و يعلم ذلك بالوقوف على (شرح المنتهى)، و (شرح منظومة الآداب)، و نقل القول بها عن الأوزاعي، و عن حاشية ابن القاسم العبادي على (شرح العباب). «1»

______________________________

(1) نقل هذه كلها الشيخ علي محفوظ، المدرس بقسم من-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 98

و جعلهم غرضا لنباله، حتى جرهم بجريرته إلى غضب اللّه و عذابه و خزيه و عقابه. على ان هذه المسألة من المسلمات عند الكل لم يخالف فيها أحد، و ما يتراءى في بعض العبارات من نسبة كذا إلى المشهور، فما هو الاشارة إلى الخلاف، بل هو نسبة عدم التعرض لغيرهم،

______________________________

- التخصص من الأزهر، في (كتاب الابداع في مضار الابتداع)، الطبعة الثانية ص 254، و قال بعده: و مما تقدم تعلم ان حرمة حلق اللحية هي

دين اللّه و شرعه، و ان العمل على غير ذلك سفه و ضلالة أو فسق و جهالة، أو غفلة عن هدى سيدنا محمد، و قال: ان هذه سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب و ابتداع عوائدهم، حتى استقبحوا محاسن دينهم و هجروا سنة نبيهم.

أقول: فعلى هذا تعرف كون حرمة حلق اللحية مما اتفقت عليه كلمة الامة، و تطابقت عليه آراؤها.

منه دام ظله.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 99

«وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا».

[الأمر التاسع في دية إزالة اللحية]

(المقام الثاني): في بيان ما يلزم حلق اللحية من الحكم الوضعي، و فيه امران:

(الاول): لا فرق في تحقق الدية في ازالة اللحية بين ان يكون هو المباشر لها أو غيره، بان كان السبب في ازالتها شخص آخر، من غير فرق بين ان تكون الازالة بالنتف أو النورة أو الموس أو الماكنة، الموجبة لخروجه عن صدق العنوان عرفا، بل لا يبعد تحقق الدية فيما لو مسح آخر لحية غيره بدهن مخصوص، فأوجب ذلك عدم خروج لحيته، و بالجملة: ان يعمل ما يقول فيه العرف انه مسلوب اللحية. فان لم تنبت ففيه دية كاملة، و ان نبتت ففيه أقوال كثيرة، منشأها اختلاف الاخبار، و تصادم الادلة، التي نشير إليها في الامر الثاني بعد التسالم و التوافق من الكل على وجوب الدية.

قال المفيد- أعلى اللّه مقامه-: ان لم تنبت فمائة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 100

دينار، و الحق به شعر الرأس.

و قال (سلار): يجب تمام الدية ان لم ينبت.

و قال (أبو الصلاح) و (ابن براج): تجب الدية الكاملة في شعر الرأس و اللحية ان لم ينبت، و ان نبت فعشر الدية.

و قال (المحقق) في (الشرائع): و في شعر

الرأس الدية، و كذا في شعر اللحية، فإذا نبتا فقد قيل: في اللحية ثلث الدية، و الرواية ضعيفة، و الارش فيه و في شعر الرأس أشبه.

و عن (الشهيد الثاني) في (المسالك) القدح تارة في السند و في الدلالة اخرى، و يختار الارش.

أقول: و ما اختاره الشهيد هو الاقوى، لكون الحكم على خلاف الاصل و القاعدة، فالقدر المتيقن هو الارش، و قد اختاره (المحقق القمي) في «جامع الشتات» حيث يسئل عنه، (سؤال): فلو أن شخصا نتف لحية غيره فما مقدار ديته؟

(الجواب): إذا نتف تمام لحيته و لم ينبت فعليه دية

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 101

كاملة، و ان نبتت فقيه عدة أقوال: أشهرها و أظهرها عليه الارش.

(الامر الثاني): في بيان صورة عدم الإنبات. (منها):

ما رواه (الصدوق) في «الفقيه» عن مولانا الصادق (ع) في شعر الرأس إذا لم ينبت: الدية. و فيه عن علي (ع) في اللحية إذا لم تنبت: الدية، فان نبتت: فثلث الدية.

و عن (الشيخ) في (المبسوط)، عن مسمع عن الصادق (ع)، قال: قضى أمير المؤمنين (ع) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت: الدية كاملة، فاذا نبتت: ثلث الدية، و عن (يحيى بن سعيد) عن بعض رجاله عن الصادق (ع)، قال: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حارا، فيمعط شعر رأسه فلم ينبت، قال: عليه الدية، و عن سليمان بن خالد مثله، إلا أن فيه: فامتعط شعر رأسه و لحيته فلا تنبت أبدا، قال: عليه الدية.

هذا ما وقفنا عليه من الاخبار على اختلافها، و الحق

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 102

ما اختاره (صاحب المسالك) من اختيار الأرش، فان أخص الروايات مضمونا الرواية الأخيرة، الدالة على

أنه إذا لم ينبت أبدا فعليه الدية لا مطلقا، فعليه: نأخذ بما هو الأوفق بالقواعد و هو الأرش، خصوصا بملاحظة ما في بعضها من ضعف السند قصور الدلالة، فليقتصر فيه على المتيقن، خروجا عما خالف الأصل على مورد اليقين، الذي هو «الأرش».

و أما كيفيته: أي (الأرش)، فهو أن نفرض أن ذلك الرجل الحر الذي حلقت لحيته «رق»، و تلاحظ نسبة التفاوت بين الحالتين الرقية و الحرية- مثلا ان هذا العبد في حال كونه ذا لحية و متصفا بهذا الوصف و الكيفية، تساوي قيمته «عشرين دينارا» و في حال ازالتها يساوي «خمسة عشر دينارا» فالتفاوت بين القيمتين سواء كان بالنصف أم الربع أم الثلث، هو معنى «الأرش» فعلى من حلقها أو كان سببا في ازالتها بأي نحو من انحاء الازالة:

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 103

الخروج عن العهدة بذلك المقدار، و اللّه العالم.

[الأمر العاشر في حرمة الأجرة على حلق اللحية و ما يتعلق به]

فرع: المأخوذ بازاء هذا العنوان محرم على آخذه، و باق على ملك صاحبه، و يجب على من اخذه أن يوصله إلى مالكه، أما حرمته فلما علمت من حرمة هذا العمل، و ان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه، و أما وجوب رده:

فلأن ما وصل إلى يده بهذا الوجه لم يكن بسبب شرعي صحيح، و مقتضى عموم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» وجوب إيصاله إلى أهله فورا ففورا، و لو فرض موت صاحبه وجب عليه ايصاله إلى ورثته، و ان جهله أو جهل ورثته فهو من «مجهول المالك» يجب الرجوع فيه إلى الحاكم الشرعي، و اللّه العالم.

فروع: الأول: يحرم الجلوس في الدكان الذي استأجره بهذا الثمن.

(الثاني): يحرم حلق الرأس بالآلة التي اشتراها بهذا الثمن.

(الثالث): يجب ترك الحلاق الذي يحلق اللحية

إذا

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 104

أثر هذا الهجران فيه، بأن يصير موجبا لتركه العمل المحرم.

(الرابع): حرمة حلق اللحية لا يختص بالحلاق بل لو حلق هو بنفسه او غير الحلاق، كانوا سواء في الحكم.

الخامس: المراد بالدية «الدية الكاملة فإذا لم تنبت، يكون مخيرا بين مائة بعير دخل في السادسة، أو مائتي بقرة أو مائتي حلة، أو ألف مثقال من ذهب خالص، أو عشرة آلاف درهم، أو ألف رأس من الغنم.

و ان نبت: ففيه الأرش- كما تقدم-.

تذكرة لا تخلو من تبصرة [تتعلق برواية الوالبية]

قد ذكرنا فيما مضى قوله (ع) في رواية الوالبية:

يا جند بني مروان ... الخ، و كلما تفحصنا ما سمعنا من تعرض لشي ء من ذلك، أعني: ما هو المراد من هذه الكلمة؟ حتى وفقنا اللّه في هذا اليوم للعثور في (روضة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 105

الكافي ص 218 على حديث (305) عن عبد اللّه بن طلحة قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الوزغ، فقال رجس و هو مسخ كله، فاذا قتلته فاغتسل.

فقال إن أبي كان قاعدا في الحجر و معه رجل يحدثه، فإذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي (ع) للرجل:

أ تدرى ما يقول هذا الوزغ؟ فقال: لا علم لي بما بقوله.

قال (ع): أنه يقول: و اللّه لئن ذكرتم عثمان بشنيعة لأشتمن عليا حتى تقوم من هاهنا. و قال لي: ليس يموت من بني امية ميت إلا مسخ وزغا، قال: فقال:

ان عبد اللّه بن مروان لما نزل به الموت مسخ وزغا، فذهب من بين يديه من كان عنده، و كان عنده ولده، فلما ان فقد عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون، ثم اجتمع أمرهم على ان يأخذوا جذعا فيضعونه

كهيئة الرجل، قال: ففعلوا ذلك، و البسوا الجذع درع الحديد،

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 106

ثم القوة في الأكفان، فلم يطلع عليه أحد من الناس إلا أنا و ولده ... الخ.

خاتمة و فيها امور

(الأمر الأول): ان من السنة اخذ الشارب

اشارة

، و الأخبار عليه مستفيضة، و هو من السنن الشرعية، و يقع الكلام في مقامين:

(المقام الأول): في الأخبار الدالة عليه و الفوائد المرتبة على أخذه

، ففي الخبر المروي في (الخصال) عن الصادق عليه السلام: إن أخذ الشارب بين الجمعتين أمان من مرض الجذام، انتهى نقله بالمعنى.

و في الخبر المروي في (الكافي) عن النبي (ص) أنه قال: ان من السنة أن يؤخذ الشارب حتى يبلغ الإطار.

و اطار السنة اللحم المحيط بها، أي: يأخذه حتى يبلغ ذلك الحد.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 107

و في رواية معمر أنه قال: من قلم أظافره و أخذ شاربه في كل يوم جمعة، و قال عند أخذهما: (بسم اللّه و باللّه و على سنة محمد و آل محمد (أعطاه اللّه بعدد ما يقع على الارض من ذراتها ثواب من اعتق واحدا من أولاد اسماعيل (ع)، و لا يأتيه المرض إلا مرض الموت، نقلناه بالمعنى.

و من فوائده ما قاله الإمام (ع): ان من أخذ و قلم أظافره يوم السبت و الخميس، عوفى من مرض الاسنان و العين. انتهى نقله بالمعنى، و سنعرج على بيان ما في تمشيط اللحية و اعفائها، و اخذ الشارب و احفائه، من الفضل «1»

______________________________

(1) و في رسالة العلامة (الشربياني) في وصايا النبي لعلي انه قال: يا علي من أخذ شاربه كان لكل شعرة ثواب صدقة عشرة أمنان من ذهب، و كل من سبعون رطلا، و كل رطل سبعون مدا، و كل مد بقدر جبل احد. و في حديث آخر: ان النكيرين دخلا عليه غير غاضبين.

منه دام ظله العالي

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 108

و الفوائد و الحكم المصدقة من لدن اولى الأدمغة الكبيرة، و الشخصيات الفذة، حتى من أهل الملل و

الاديان الخارجة عن دين الإسلام.

(المقام الثاني): في بيان الأخبار الواردة الدالة على مذمة عدم أخذ الشارب

، ففي الخبر المروي في «الفقيه» قال رسول اللّه (ص): [لا يطوّلن أحدكم شاربه.

فان الشيطان يتخذه مخبئا يتستر به] و قال رسول اللّه (ص):

[من لم يأخذ شاربه فليس منا] و في رواية اخرى قال (ص):

[لا يطولن احدكم شاربه، و لا عانته، و لا شعر ابطيه، فان الشيطان يتخذها مخبئا يتستر به] و العانة: هي منبت الشعر فوق قبل المرأة و الرجل. و مع ذلك نرى بالعيون في العصر الحاضر أشخاصا تتجاوز شواربهم شفتهم العليا، بل ربما يزيد على ذلك بمقدار (بوصة)، فيصبحون على هيئة عجيبة منكرة، و أنت لو رأيتهم لوليت منهم فرارا، و لملئت منهم رعبا، فهل يا ترى يجدر بمثل هؤلاء

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 109

و هم فيما يرون أنهم يعتنقون الدين الإسلامي، أن ينبذوا هذه الاخبار نبذا و يرفضونها رفضا، و لا أدري إلى أي وجه استند هؤلاء في تطويل شواربهم؟ و أي دليل دلهم على حسنه و رجحانه؟ و أي مزية لهم فيه؟ و هذا رسول اللّه و الائمة الهداة و الخلفاء الراشدون قد قالوا و عملوا على ما عملوا «1» و هم براء مما فعلوا، و ها هم بالرغم من شدة

______________________________

(1) و في رسالة شيخنا العلامة الشربياني عند تعداد الكبائر و في بيان ما يوجب عذاب القبر يقول: (في النبوي: إن عمدة ما يوجب عذاب القبر تسعة: الفساد، و التفتين، و الخشونة مع الناس، و سوء الخلق، لا سيما مع الأهل، و الأنس. بزخارف الدنيا، و الغيبة، و الكذب، و التهمة، و عدم أخذ الشارب) (و في رواية) يا علي من لم يأخذ شاربه فليس منا، و لم ينل

شفاعتنا، التارك لشاربه لم يزل في لعنة اللّه و الملائكة، و لا يستجاب له دعاء، و إذا قبض روحه قبض بشدة، و عذابه في القبر صعب،-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 110

اهتمامهم و مزيد اعتنائهم بتطويل شواربهم، نراه خال من كل مزية و حسن، و ليتهم نظروا وجوههم في المرآة نيروا ما قد حل بهم من تشويه الوجه و قباحة المنظر. نعم و ان كانت هذه الروايات ظاهرة في الحرمة لكن اسنادها ضعيفة و لا يمكن الأخذ بها و اللّه العالم.

[الأمر الثاني فيما يتعلق باللحية]

اشارة

(المقام الثالث): فيما يتعلق باللحية. و هو امور:

(الاولى): في مقدارها، و تمشيطها، و كراهة ما يزيد عن مقدار المنصوص عليه و هو قدر «قبضة» و أما الترتيب في التمشيط: فهو أن يبتدأ من الاعلى إلى الاسفل مقرونا بقراءة الادعية و السور القرآنية.

و كم من فوائد و حكم و خواص مترتبة على إعفاء اللحية و قد وقف عليها الراسخون في العلم، و أظهرها المطلعون

______________________________

- و يسلط عليه الحيات و العقارب بكل شعرة، و كان معذبا إلى يوم القيامة، و إذا خرج من قبره كان مكتوبا بين عينيه: هذا من أهل النار، و في النبوي: لا يشرب من ماء الكوثر، و يدخل النكيرين غاضبين عليه. منه دام ظله.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 111

على الحقائق، كما يأتي مقدار منها.

[ (الأول): في مقدارها]

1- أما مقدار اللحية: فالمستحب الحد الاوسط، لا بالطويل الشاهق. و لا بالقصير القابس. و ما زاد على القبضة مكروه. و الأخبار في ذم ما زاد عليها كثيرة ففي الخبر المروي في (الكافي) عن الصادق (ع): (ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار). و في رواية «الفقيه» «ما زاد على القبضة ففي النار» يعني: اللحية. (و فيه):

في قدر اللحية قال: «تقبض على اللحية و تجز ما فضل».

________________________________________

طبسى، نجفى، محمد رضا، المنية في حكم الشارب و اللحية، در يك جلد، قم - ايران، اول، ه ق

المنية في حكم الشارب و اللحية؛ المتن، ص: 111

و المراد من القبضة: قبضة الشخص نفسه، كما يقتضيه ظاهر الخبر، و في بعض الروايات دلالة: على أن الزائد على ذلك علامة الحماقة، ففي (الكافي)، و في (16) من (البحار) عن مولانا الصادق، انه قال (ع): [يعتبر عقل الرجل

في ثلاث: في طول لحيته، و في نقش خاتمه، و في كنيته].

و الحاصل: ان المستفاد من ظواهر هذه الأخبار:

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 112

ان الميزان في أخذها ان يكون مجموع ما على الذقن و اللحيين بقدر قبضته، و يجز الباقي. و ذهب بعض الأعلام من أساتيدنا إلى الحكم بحرمة ما نقص عن القبضة، و لكن لا دليل عليه، و الأظهر الاقوى ما ذكرناه في مفاد الأخبار و ما في بعضها من الاطلاق محمول على الكراهة، و ما زاد على القبضة ليس بواجب اجماعا.

الثاني: يستحب تدوير اللحية، و الأخذ من العارضين، و تمشيطها بعدد مخصوص.

و يكره التمشيط واقفا، (ففي رواية ابن مسلم) قال: رأيت الباقر (ع) يأخذ من لحيته، فقال: دورها. أما التمشيط فلكثرة الاطلاقات و الروايات الواردة في تفسير آية «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» المفسرة بالتمشيط عند كل صلاة فريضة و نافلة، يومية كانت أو ليلية، و الأخبار في استحبابه بلغت حد الاستفاضة. و ليس لمتبحر في علم المنقول أن يخدش فيها.

فمنها: ما ذكره ابن طاوس (ره) في «أمان

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 113

الاخطار» و فيه: يبدأ من تحت أربعين مرة، و يقرأ إنا أنزلناه، و من فوق إلى تحت سبع مرات، و يقرأ و العاديات، و يقول: اللهم سرح عني الهموم و الغموم، و وحشة الصدور.

فالترتيب المذكور هو أن يبدأ من الأسفل أربعين مرة، و يقرأ مرة واحدة سورة القدر، و من الأعلى إلى الأسفل سبع مرات، و يقرأ سورة و العاديات، و يقرأ ذلك الدعاء.

و في (مكارم) الأخلاق أيضا ذكر هذا الكم و العدد، و في (الوسائل) في الباب (65) عند بيان استحباب تسريح اللحية و تمشيطها: ذكر رواية اسماعيل بن جابر عن

أبي عبد اللّه (ع): من سرح لحيته سبعين مرة و عدها مرة مرة، لا يقربه الشيطان أربعين يوما. قلت: و لعل هذا العدد الخاص بهذا النحو فيه خصوصية كما ذكره (ع)، لأن الحقائق منكشفة لديه، و خواص الأشياء مصلحة و مفسدة

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 114

غير خفية عليه ..

[الثالث في كراهة التمشيط واقفا]

3- يكره «1» التمشيط واقفا، ففي الخبر المروي

______________________________

(1) و في رواية (جامع) الأخبار لمحمد بن محمد الشعيري:

ان النبي صلى اللّه عليه و آله نهى عن عدة امور يوجب الفقر، مثل البول في الماء، و الأكل على الجشاء، و التخلل بالطرفاء، و النوم بين العشاءين، و النوم قبل طلوع الشمس، و رد السائل الذكر بالليل، و كثرة الاستماع إلى الغناء، و اعتياد الكذب، و ترك التقدير في المعيشة، و التمشط من القيام و اليمين الفاجرة، و قطيعة الرحم.

أقول: و ذكر رواية اخرى مشتملة على امور اخر، مما نهى النبي عنها لكونها مورثة للفقر، لا بأس بذكرها فانها من الامور التي يبتلي بها العامة، و قال في الفصل (الثامن و الثمانون) عشرون خصلة تورث الفقر، قال النبي:

عشرون خصلة تورث الفقر: القيام من الفراش للبول عريانا، و الاكل جنبا، و ترك غسل اليدين عند الأكل،

- و اهانة الكسرة من الخبز، و إحراق الثوم و البصل، و القعود على سكة البيت و كنس البيت باليد و بالثوب، و غسل الاعضاء في موضع الاستنجاء، و مسح الاعضاء المغسولة بالمنديل و الكم و وضع القصاع و الاواني غير مغسولة، و وضع أواني الماء غير مغطط له، و ترك بيوت العنكبوت في المنزل، و استخفاف الصلاة، و تعجيل الخروج من المسجد، و البكور إلى السوق، و تأخير

الرجوع عنه إلى العشاء، و شراء الخبز من الفقراء، و اللعن على الأولاد، و الكذب، و خياطة الثوب على البدن، و اطفاء السراج بالنفس، انتهى.

أقول: و لا يخفى ان لكل واحد منها وجها وجيها، و الذي كان مطلعا على الواقعيات و عالما بالمفاسد و المضرات، نهى عنها، و لا بأس بالعمل بمثل هذه الروايات، و القول بالكراهة فيها للتسامح، و غير خفي انها غالبا مما يرتكبها الناس، بل الخواص فضلا عن العوام، و كل واحد منها-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 116

في (الوسائل) عن سعد بن علاقة، عن أبيه، عن علي (ع)، قال في حديث: «التمشط من قيام يورث الفقر». و في رواية (مكارم الاخلاق) عن النبي (ص) أنه قال: «من امتشط قائما ركبه الدين» و في ثالثة، «فانه يورث الضعف في القلب، و امتشط و أنت جالس، فانه يقوي القلب» الخ.

و الحديث نص صريح في كراهة التمشيط قائما، و استحبابه جالسا، لان الاول يورث الضعف في القلب، بخلاف الثاني فانه سبب لتقويته.

[الرابع فوائد تمشيط اللحية]

4- عرف الذين اوتوا العلم من الذين اطلعوا على خواص الأشياء و نظروا إلى حقائقها: ان في تمشيط اللحية آثارا جميلة، و فوائد جمة، مما يعجز القلم عن تحديده، و الكلم عن تعديده.

منها: أنه يجلب الرزق، و يحسن الشعر، و يكثر

______________________________

- مؤيدة بأخبار اخرى لا يسعنا المجال للتعرض لها.

منه دام ظله العالي

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 117

الباه. و يقوي الاسنان، و يذهب الحمى، و يقطع البلغم، و قد ورد في جميع ذلك عدة روايات، منها: ما رواه في (البحار) و (الوسائل) عن عبد الرحمن الحجاج، عن أبي عبد اللّه، في قول اللّه عز و

جل: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» قال: هو التمشيط، فان المشط يجلب الرزق، و يحسن الشعر، و ينجز الحاجة، و يزيد في ماء الصلب، و يقطع البلغم «1».

شهادة الدكاترة و الاجانب بفوائد اللحية

______________________________

(1) ربما يختلج في أذهان البسطاء و الجهال بمفاد الاخبار المروية عن ساداتنا الأخيار: بأن التمشط خصوصا بالكيفية الخاصة، أي ربط و اثر له في جلب الرزق، و تحسين الشعر، و تنجيز الحاجة، و ازدياد ماء الصلب، و قطع البلغم، و شد اللثة، و دفع وجع الأضراس، و أمثالها؟ و ذلك-

- لأجل الغفلة و عدم الانس بمناهل أهل بيت العصمة، و معادن العلم و الحكمة، و عدم التأمل في كلماتهم و قلة التدبر في افاضاتهم، فانه على مسلك الإمامية ان الامور الكونية ما يضر و ينفع برمتها مكشوفة عليهم، و غير مستورة لديهم، بفوائدها و خواصها، فإذا أمروا بشي ء فلا محالة يكون المأمور به عن فائدة و مصلحة، و إذا نهوا عن شي ء فلا بد و أن يكون في المنهي عنه مضرة و مفسدة، فإذا كان كذلك فلا غرو في تأثير التمشيط بالكيفية الخاصة، و الكمية المخصوصة في در الرزق و تحسين الشعر، و دافعا لوجع الأضراس، و ما شابه ذلك، و إن قصرت عقولنا عن إدراكه ككثير من الأشياء التي لا تدرك عقولنا الخواص و الآثار المترتبة عليها. «و لكن» لما كان بناء أبناء العصر الحاضر العلقة و الاستيناس بكلمات أعداء الدين أكثر من كلمات المعصومين، بل كأنهم لا يطمئنون بشي ء إلا إذا-

- نقل لهم عن المجلة الكذائية، مثل (المقتطف) أو (المقتبس) (عن الدكتور فلان و الدكتور فلان) و كفاك في حق ما نبحث عنها تصديق عدة من الدكاترة على ما في

المجلتين:

بأن لهذه اللحية فوائد و خواص: فانظر في تاريخ (أمريكا) ما عن سجعان الروماني ص (160) حيث يقول: و بعضهم يكرهون اللحى، مع ان اعتيادها أولى، فقد قال النطاسي الشهير الدكتور (فينكور جرج): ان اللحية لها نفع عظيم، تحفظ الفم و تمنع عنه الرطوبة، و تنقي الأسنان و الغدد اللعابية، ثم قال سجعان، و قال غيره: انهم حلقوا مرة لحى جميع مستخدمي السكك الحديدية في أيام الشتاء، فحصل لأكثرهم وجع الأضراس و الأسنان، و ورم في الغدد اللعابية، قال (سجعان): و وصف أحد الأطباء لبعض الذين أصيبوا الرشح- أعني: داء الزكام- ان يطلقوا لحاهم ففعلوا ذلك، و حصلوا على النتيجة المرغوبة، و قال (في المقتطف)-

- ص 538 نقلا عن أكابر النصارى (يعقوب صروف) (و قارص نمر): ان لشعر الشوارب و اللحى فوائد كبيرة في منع دقائق الغبار من دخول الفم، و في منع الهواء البارد من تبريد الحلق، و ص 509- 1190 يقول و لما جلس (لوي) الثالث عشر على عرش (فرنسا) و كان فتى لا لحية له اقتدى به رجال بلاطه فحلقوا لحاهم و شواربهم و حدث مثل ذلك في (إسبانيا) في عهد الملك (فيليب الخامس) و أيضا في صفحة 1191 يقول عادة حلق اللحية: أجراها الاسكندر المقدوني على جنوده لكي لا يمسكهم العدو بلحاهم، و اقتبسه الرومان، ثم تركوه في عهد (هدرس يانس) ثم عادوا إليه في عهد (قسطنطين الكبير) ثم أدخل ذلك (البطرس الأكبر) إلى (روسيا) و في ص 536 يقول: و روي: أن جماعة المفتشين (عن فرنكلين) في جهات القطب الشمالي اشتد عليهم البرد القارص و لكنهم لم يصابوا بمكروه لأن الشعر كان-

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 121

قال: و في رواية الصدوق قال: قال الصادق (ع):

المشط يذهب بالوباء- و هو الحمى-.

و خلاصة القول: ان ما ورد من الاخبار في بيان الفوائد و الخواص المترتبة على التمشيط كثيرة، و الجاهلون بكلمات أهل البيت كثيرون، و لعلهم يفاجئوننا فيقولون:

______________________________

- يغطي وجوههم فيدرء عنها البرد ثم عادوا إلى مكانهم و حلقوا هذا الشعر فلم يمض اسبوع حتى مرضوا جميعا و لا يخفى على القراء الكرام و المعتقدين بشريعة الإسلام بأن ما في الأخبار المروية من أئمتنا من الآثار و الفوائد لمن تدبر و تبصر فيها و سلك مسلك الأنصاف و تجنب الاعتساف ما يغنيه و ان كان مريضا يشفيه من غير احتياج إلى كلمات الاجانب و انما اوردنا ذلك لئلا يتوهم المتهوس بأن ما ذكر في الاخبار انما هو ليس تعبد محض و يعلم بأن الخارج عن مذهبه أيضا يعتقد و يصدق الفوائد المترتبة على هذه الهيئة فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ.

من المؤلف دام ظله.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 122

أى اثر للتمشيط حتى يكون منشأ لجميع هذه الفوائد و الخواص؟ ان هذا يضحك منه الثكلى. و هم يعلمون بصدور هذه الكلمات عن أهل بيت العصمة، فهم مجدون في منابذتها و تكذيبها و ينتظرون النقل (عن الدكتور) فلان، أو المجلة الفلانية في العدد الفلانى، إن نتائج أشكال الجهالة و الغباوة اكثر من ذلك، و لم ترض لهم جهالتهم هذه بالوقوف عند هذا الحد، بل حملتهم على إنكار ضروريات المذهب لو لا الدين، إلى تكذيب كتاب اللّه و سنة نبيه من حيث يشعرون و لا يشعرون.

[الخامس العجب من ارتكاب بعض المتشرعة لحلق اللحية]

(5) و هب أنه لم يكن على حرمة اللحية مع أن حرمتها تقريبا داخل في

المسلمات الدينية أو المذهبية، كحرمة الربا و القمار و الكذب و الرشوة و السحر، ما بايدينا من الأدلة المتقدمة من الكتاب و السنة و الإجماع و السيرة القطعية ما يدل على ذلك او أنّا جعلناها تحت الأقدام و العياذ باللّه، و لكن أ ليس يكفي المؤمن الورع الأخبار المتقدمة الواردة في خصوص التمشيط و التسريح بالكيفية

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 123

الخاصة. فإن أحدا لم ينكر شيئا من ذلك، فهل هناك عاقل يتصور، أو يعقل أن من يرى نفسه قد تربى بتربية العلماء و تزيا بزي الصلحاء و تردى برداء أكابر الدين، أن يلقي بنفسه في الهوة. و يحرمها من جميع هذه الفوائد و المثوبات الأخروية، و يجعل كل ذلك تحت قدمه، فيا عجبا و مالى لا أعجب من بعض المعمرين المجاورين لقبور الأئمة الطاهرين، الذين لم يزالوا مواظبين على زيارة عاشوراء، و صلاة الليل، و مع ذلك تراهم يفرطون في أخذ لحاهم، بل في بعض الأحيان يقع الشك في الصدق العرفي عليها، و عليه فاين يكون محل الخضاب بالحناء؟ و أين يكون مكان التمشيط؟

و أي مورد يبقى معه لهما؟ و هكذا حال بعض التجار و اهل المكاسب من السوق، سواء في ذلك الشيخ منهم و الشاب فانا نراهم بأم العين يبالغون في اخذها حتى يوشك أن لا يصدق عليها عنوان اللحية عرفا، و قد مرت عليك الإشارة في بعض الكلمات الى أن بعض أساتيذنا الأعلام طاب ثراه استشكل

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 124

فيما دون القبضة «1».

أما الأول فلأن ارتكاب هذا العمل القبيح المحرم ليس بعجب من اهله لان ارتكاب المحرمات امر شايع، سيما في الآونة

الأخيرة التى اصبح المعروف فيها منكرا، من قبيل أخذ الربا المعبر عنه (بالفائض) او (الفائز)، و الغيبة، و الكذب، و الحسد، و النميمة، و الزنا، و اللواط، و شرب الخمر، و منع الزكاة و الخمس، و التطفيف في الكيل و الوزن، و القول على اللّه بغير علم، و امثال ذلك من كبائر الذنوب، كل ذلك نراه فاشيا في عصرنا.

و أما الثاني: فمن الجائز أن هذه الشرذمة لم تطلع على هذه الأخبار الكثيرة المؤكدة لفعل التمشيط، أو يتخيل لهم أن الملحوظ بنظر الرسول «ص» إمرار المشط على المحل فقط، كحلق الأقرع رأسه في باب الحج، فانه يكفيه إمرار الموس

______________________________

(1) و أما فتوى المراجع و زعماء الدين الحاضرين فليرجع الحكم فيها إلى رسائلهم العملية مدّ اللّه في أعمارهم.

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 125

عليه، و هذا بأقصى مراتب البعد بل لا يحتمله أحد.

[السادس استحباب الخضاب]

(6) من الامور المستحبة الخضاب بالحناء للرجال و النساء، على الاخص ذي الشيبة، و أما استحبابه فقد بلغ الأخبار فيه حد التواتر معنى، منها: رواية (الكافي) عن الصادق (ع)، عن آبائه عليهم السلام، في وصايا النبي (ص) لخليفته أمير المؤمنين علي (ع) يا علي نفقة درهم واحد في الخضاب خير من نفقة ألف درهم في سبيل اللّه، و فيه أربع عشرة خصلة: (1) يطرد الريح من الاذنين (2) و يجلو الغشاوة عن البصر. (3) و يلين الخياشيم (4) و يطيب النكهة (5) و يشدّ اللثة.

(6) و يذهب بالصنان (7) و يقلل وسوسة الشيطان. (8) و تفرح به الملائكة. (9) و يستبشر به المؤمن (10) و يغيظ به الكافر. (11) و هو زينة (12) و هو طيب و (13) براءة له

في قبره (14) و يستحيى منه منكر و نكير. انتهى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 126

و في (مستدرك) الوسائل: «ما خلق اللّه شجرة أحب إليه من الحناء»، و قال (ص): «نفقة درهم في سبيل اللّه بسبعمائة، و نفقة درهم من خضاب الحنّاء بتسعة آلاف»، و هذه الأخبار واردة في أصل استحباب استعماله و ما يترتب عليه من الثواب، و أما استحبابه بالنسبة إلى خصوص اللحية أو غيرها: ففي رواية حفص الأعور بعد أن سأل الصادق عليه السلام: خضاب الرأس و اللحية من السنة؟ قال (ع):

نعم، الحديث نقلناه بالمعنى. و في رواية أبي الحكم المروية في (الكافي)، قال: دخل رجل على رسول اللّه (ص) فنظر النبي إليه، فوجد في لحيته بياضا، فقال: هذا نور، ثم قال: كل من خرج في لحيته شعرة بيضاء في عهد الإسلام كان ذلك نورا له في يوم القيامة، ثم ان الرجل تخضب و جاء إلى النبي (ص) فقال (ص):

هذا أيضا نور و اسلام، ثم تخضب بخضاب أسود و أتى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 127

النبي (ص) فقال (ص): هذا نور و ايمان، يجعل اللّه الهيبة في قلوب الأعداء، و محبة النساء، انتهى نقله بالمعنى.

و في رواية (ثواب الأعمال «1»): انه بلغ النبي (ص) أن قوما من أصحابه صفروا لحاهم، فقال: هذا خضاب الإسلام إني لأحب أن أراهم قال على (ع): فمررت بهم و أخبرتهم بذلك فأتوه فلما رآهم قال هذا خضاب الإسلام، قال فلما سمعوا ذلك منه رغبوا فأقنوا قال فلما بلغ ذلك رسول اللّه قال هذا خضاب الإيمان انى لأحب أن أراهم، فأخبرهم على عليه السلام بذلك فأتوه فلما رآهم قال هذا

خضاب الايمان فلما سمعوا ذلك منه بقوا عليه حتى ماتوا.

اما من طرق العامة ما رواه مسلم في صحيحه ص 218 باسناده: من أن النبي (ص) جي ء إليه بأبي قحافة يوم فتح مكة- و قد أخذ البياض في لحيته و شعر رأسه مأخذه- فقال النبي (ص):

غيروا هذا بشي ء من السواد، و عنه

______________________________

(1) ص 37 ط طهران

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 128

في نقل آخر عن النبي (ص) انه قال: ان اليهود و النصارى لا يصبغون و أنتم خالفوهم في ذلك، نقلناه بالمعنى.

و خلاصة القول: إن استحباب الخضاب و على الاخص في اللحية ثابت بالاخبار الكثيرة الواردة من الفريقين، قديما و حديثا على وجه لا تبقى شبهة لأحد فيها، فكيف إذن يحسن بمن يعتنق الدين الإسلامي و يعتزي بزعمه إلى دين محمد (ص) و هو فيما يرى له علقه خاصة بأحكامه، ان يحرم نفسه من هذا الثواب و الاستحباب، يفعل بلحيته ما لا يبقى معه مورد للأمرين المهمين الذين أحدهما التمشيط و الآخر التخضيب، على أن أهل العلم من غير المسلمين يقولون: إن في اعفاء اللحية حكم دقيقة، و فوائد طبية، و ان قصرت عقولنا عن دركها، فمنعوا من حلقها و صوبوا ابقائها، و ها هو (هركس) احدهم انظر إلى مقالته في هذا الموضوع- على ما نقلها عنه (السيد هبة الدين الشهرستاني) عن بعض المجلات- و من أراد الوقوف عليها فليراجع (كتاب التفتيش) له. و اللّه ولي التوفيق.

1362 هجرى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 129

مراجع الكتاب

اشارة

القرآن الحكيم

[أ]

الالف

1- الإحتجاج للشيخ الطبرسى

2- الأمالي للشيخ المفيد

3- أمان الأخطار للسيد ابن طاوس

4- الإقبال للسيد ابن طاوس

5- انيس المقلدين للسيد صدر الدين العاملى

6- احياء العلوم للغزالى

7- الابداع في مضار الابتداع للشيخ على محفوظ

الاعتقادات للشيخ الصدوق

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 130

[ب]

«الباء»

8- بحار الأنوار للعلامة المجلسى

9- بداية الهداية للشيخ الحر العاملى

[ت]

«التاء»

10- التهذيب للشيخ الطوسى

11- تفسير الصافى للفيض الكاشانى

12- تفسير الرازى لأبي الفتوح الرازى

13- تفسير القمى لعلى بن ابراهيم القمى

14- التفتيش للعلامة الشهرستانى

15- تفسير الطبرى لمحمد بن جرير الطبرى

16- تاريخ امريكا لسجعان الرومانى

17- تفسير الرازى لفخر الدين الرازى

18- تفسير النيسابورى للنيسابورى

19- توضيح المسائل للإمام البروجردى

20- توحيد المفضل لمفضل بن عمرو

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 131

[ث]

«الثاء»

21- ثواب الاعمال و عقاب الاعمال للشيخ الصدوق

«ج»

22- الجعفريات لموسى بن إسماعيل

23- جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفى

24- جامع الشتات للمحقق القمى

25- جواهر السنية للشيخ حر العاملى

26- الجامع الصغير للسيوطى

«ح»

27- حدائق الناظرة للشيخ يوسف البحرانى

28- حلية المتقين للعلامة المجلسى

29- حلق اللحية للعلامة البلاغى

«خ»

30- الخصال للشيخ الصدوق

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 132

«د»

31- دعائم الإسلام للقاضى نعمان المصرى

32- الدرر المختار

«ذ»

33- ذخيرة العباد للشيخ زين العابدين المازندرانى

«ر»

34- رجال الكشى للكشى

35- رجال المامقانى للمامقانى

36- روضة الاحباب للشيخ محمد اليزدى

«س»

37- سفينة البحار للمحدث القمى

«ش»

38- شرايع الإسلام للمحقق الحلى

39- شارع النجاة للسيد الداماد

40- شرح الفقيه للشيخ محمد تقى المجلس

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 133

«ص»

41- الصحيفة الخامسة للسيد محسن العاملى

42- صحيح البخارى للبخارى

43- صحيح مسلم لمسلم

«غ»

44- غوالى اللئالى لابن ابى جمهور الاحسائى

45- غاية القصوى للسيد كاظم اليزدى

«ق»

46- قرب الاسناد للحميرى

47- قواعد الاحكام للعلامة الحلى

«ك»

48- الكافى للكلينى

49- كشف الغطاء للشيخ جعفر كاشف الغطاء

50- المكاسب للشيخ الانصارى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 134

51- كتاب الطهارة للشيخ ميرزا ابو القاسم الأردوبادي

52- الكلمة الطيبة للمحدث النورى

«م»

53- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق

54- مستدرك الوسائل للمحدث النورى

55- معانى الاخبار للشيخ الصدوق

56- مجمع البيان للشيخ الطبرسى

57- مفاتيح الفيض للفيض الكاشانى

58- مسالك الافهام للشهيد الثانى

59- مجمع البحرين للشيخ الطريحى

60- منهاج النجاح للفيض الكاشانى

61- مرآت العقول للعلامة المجلسى

62- المنتهى العلامة للعلامة الحلى

63- المحاسن للبرقى

64- مكارم الاخلاق للشيخ الطبرسى

65- مواهب السنية للسيد ميرزا محمود البروجردى

المنية في حكم الشارب و اللحية، المتن، ص: 135

66- مجمع المسائل للشيخ جعفر التسترى

67- المستدرك للحاكم النيسابورى

68- المنتهى للسيد زينى دحلان

69- المقتطف مجلة

«ن»

70- نهج البلاغة

71- نيل الاوطار للشوكانى

«و»

72- وسائل الشيعة للشيخ حر العاملى

________________________________________

طبسى، نجفى، محمد رضا، المنية في حكم الشارب و اللحية، در يك جلد، قم - ايران، اول، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.